وأي مسلم تقوى عليه حتى تقتله (١) ، وأي مكسب تقدر عليه حتى تكتسبه ، اجلس لا جلست ، قال : لا والله ، ولكني أذهب حيث لا أسمع صوتك ، قال : إلى أبعد الأرض لا إلى أقربها ، قال : فمضى ساعة وهو ينظر في قفاه ، وهو يقول : اللهم لا تصحبه ، ثم قال : كرّوه عليّ فكروه ، فقال : أستغفر الله منك ، بلى والله ، لقد رأيتك حيث أعرفك ، قد أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلّمت عليه فردّ عليك ، وأهديت إليه فقبل منك ، وأسلمت ، فكنت من صالحي قومك ، وإنك لفي شرف منهم ، وإنّك لخالي ، وإن أباك يوم طرف البلقاء لذو غناء اجلس حتى أفرغ لك ، ثم مضى في خطبته ، فلما فرغ وصله ، وأحسن إليه (٢).
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمّد ، أنا أبو سليمان الخطّابي قال في حديث معاوية أنه قال لسلمة بن الخطل : كأني أنظر إلى بيت أبيك بمهيعة بطنب تيس مربوط ، وبفنائه أعنز درّهن غبر ، يحلبن في مثل قوارة حافر العير يهفو منه الريح بجانب كأنه جناح نسر.
حدّثنيه محمّد بن بحر الرهني (٣) ، نا ابن دريد ، نا أبو حاتم ، عن العتبي قوله : درهنّ غبر أي ألبانها قليلة ، وغبر اللبن : بقيته ، وهو ما غبر عنه ، وجمعه أغبار ، قال الحارث بن حلّزة :
لا تكسع الشّول بأغبارها |
|
إنّك لا تدري من الناتج (٤) |
ويقال : تغبّرت الناقة : إذا احتلبت غبرها ، وقوله يحلبن في مثل قوارة حافر العير يريد ما تقوّر من باطن حافره يصفه باللؤم ، إذا كان المحلب الذي يحلب فيه ضيقا ، كذلك ، والعرب تمدح بعظم الجفان وسعة الآنية فيقال : فلان عظيم الجفنة إذا كان مطعما ، كما يقال عظيم الرماد إذا كان يكثر الوقود للأضياف حتى يكثر الرماد بفنائه ، وكان لعبد الله بن جدعان جفنة يأكل منها الراكب ، وقال الشاعر يرثي رجلا :
يا جفنة كازا الحوض قد هدموا |
|
ومنطقا مثل وشي اليمنة الحفرة |
__________________
(١) بالأصل : «يقتله» والمثبت عن أسد الغابة.
(٢) انظر الخبر في أسد الغابة ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ والإصابة ٢ / ٦٤ باختلاف واختصار.
(٣) كذا رسمها بالأصل وم.
(٤) البيت في اللسان «غبر» ونسبه لابن حلّزة.