لها صخرا (١) المارد ، فأتاها في صورة حاضنها إلى الباب ، ثم قال للحاجب : قل لفلانة إن حاضنك فلان بالباب ، فأرسلت إلى سليمان وسألته أن يأذن له عليها فأذن له ، فدخل عليها وهي لا تشك إلّا أنه أخوها من الرضاعة فبكت وبكا ، وقال لها : قد رضيت من سليمان بما صنع بأبيك وأهل بيتك ، فصرت مملوكة بعد أن كنت ملكة بنت ملك ، فقالت له : كيف لي بذلك؟ فقال لها : أما تشتاقين إلى أبيك؟ فقالت : وكيف لي وقد سلى الحزن عليّ جسمي (٢)؟ فقال لها : فإني سأرشدك إلى أمر يكون لك فيه فرح ، ويسلّ عنك حزنك ، إذا دخل سليمان عليك فلا تكلميه إلّا نزرا ، ولا تنظري إليه إلّا شزرا ، فإذا قال لك : ما لك؟ وما تريدين؟ فقولي : إني أحب أن تأمر بعض الشياطين فيصوروا لي أبي في داري التي أنا فيها ، فأراه بكرة وعشية ، فيذهب عني حزني ، ويسلى عني بعض ما أجد ، قال : فلما دخل سليمان فعلت ما أمرها الشيطان ، فقال لها : ما لك؟ قالت : إني أذكر أبي ، وأذكر ملكه ، وما أصابه فيحزنني ذلك ، فقال لها : فقد أبدلك الله ملكا وسلطانا أعظم من ملكه وسلطانه ، وهداك إلى دينه فهو أعظم من ذلك كله ، قالت : إن ذلك كذلك ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى ، فإن رأيت أن تأمر بعض الشياطين فيصوروا لي صورة أبي في داري التي أنا فيها فأراه بكرة وعشية رجوت أن يذهب عني حزني ويسلى عني بعض ما أجد في نفسي. فأمر سليمان صخرا المارد ، فمثّل لها أباها في هيئته في ناحية دارها حتى لا تنكر منه شيئا ، فمثّل لها حتى نظرت إلى أبيها في ناحية دارها لا تنكر في نفسها شيئا إلّا أنه لا روح فيه ، فعمدت إليه ، فزيّنته وألبسته ، حتى تركته كهيئة أبيها ولباسه ، فإذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه كل غدوة مع جواريها ، فتطيّبه وتسجد له ويسجدون جواريها وتروح بمثله ، وسليمان لا علم له بشيء من ذلك ، وأتاها الشيطان من حيث لا يعلم سليمان حتى أتى لذلك أربعون يوما ، وبلغ ذلك الناس ، وبلغ آصف بن برخيا ، وكان صديقا ، فقال له الناس : هل بلغك ما بلغنا؟ قال : نعم ، قالوا : كيف لنا أن نعلم سليمان؟ قال : أنا أكفيكم ذلك ، فدخل عليه فقال : يا نبي الله إني قد كبرت ودق عظمي ، ونفد عمري ، وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل أن أموت ، أذكر فيه من مضى من أنبياء الله عزوجل ، وأثني عليه بعلمي فيهم ، وأعلم الناس بعض ما يجهلون من كثير من أمرهم ، قال : فافعل ، قال : فجمع الناس سليمان فقام فيهم خطيبا ، فذكر من
__________________
(١) بالأصل : صخر.
(٢) عن مختصر ابن منظور ١٠ / ١٢٧ وبالأصل : حسبي.