مضى من أنبياء الله عزوجل وأثنى على كل نبيّ بما فيه ، وذكر ما فضلهم الله به ، حتى انتهى إلى سليمان ، فذكر فضله وما أعطاه الله في حداثة سنه وصغره ، وما كان أعطي في حياة أبيه داود من الفضل ، ثم سكت ، فامتلأ سليمان غيظا ، فلما دخل أرسل سليمان إليه فدعاه فأتاه فدخل عليه فقال : يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم ، بما كانوا في زمانهم كلها فلما ذكرتني جعلت تثني عليّ بخير في صغري ، وسكتّ عما سوى ذلك من أمري في كبري ، فما هذا الذي أحدثت من أمري في كبري؟ قال : أحدثت أن غير الله يعبد في دارك منذ أربعين يوما في هوى امرأة ، قال : في داري؟ قال : في دارك ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون عرفت ، ما قلت : هذا إلّا عن شيء بلغك ، ثم رجع إلى داره فكسر ذلك الصنم ، وعاقب تلك المرأة وولائدها ، ثم أمر بثياب الطهر فأتي بها لا يغز لها إلّا الأبكار ولا ينسجها إلّا الأبكار ، ولم تمسها امرأة رأت الدم. فلبس ثم خرج إلى فلاة من الأرض ، ففرش له الرماد ثم أقبل دائما إلى الله عزوجل. فجلس على ذلك الرماد يتمعّك في ذلك الرماد في ثيابه متذللا متضرعا ، يبكي ويستغفر مما كان في داره. يقول : يا ربنا هذا بلاؤك عند آل داود أن يعبدوا غيرك ، وأن يقروا في دارهم وأهليهم عبادة غيرك ، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ، ثم رجع ، وكانت له جارية سماها الأمينة ، فكان إذا أتى الخلاء أو أراد إتيان امرأة وضع خاتمه عندها ، وكان لا يمس خاتمه ، إلّا وهو طاهر ، وكان الله جعل ملكه في خاتمه.
أخبرنا أبو محمّد السّلمي ، وأبو الحسن الدّلّال قالا : أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أحمد بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن إسماعيل ، نا إسماعيل بن بشر قال : وأنا إسحاق ، أنا أبو الياس ، عن وهب بن منبّه : أن خاتم سليمان عليهالسلام كان أتي به من السماء ، له أربع نواحي ، في ناحية منه : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له محمّد عبده ورسوله ، وفي الثانية : اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء ، وفي الثالثة : كل شيء هالك إلّا الله ، وفي الرابعة : تباركت إلهي لا شريك لك ، وكان له نور يتلألأ ، إذا تختم به اجتمع إليه الجن والإنس والطير والريح والشياطين والسحاب.
قال : فجاء يوما يريد الوضوء فدفع الخاتم إليها ، وجاء صخر المارد حتى سبق سليمان فدخل المتوضّأ ، فقام خلف الباب فدخل سليمان لحاجته ، وخرج الشيطان على