قال الضحاك فقدمت الصّنّبرة (١) بكتاب سليمان فقلت وعليّ ثياب السفر لم أنزعها وعبد الملك بها : يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل في العهد كذا وكذا ، فذكر ما فيه من الفضل ما أعجب لتأخير ذلك ، إني لأعلم أن لك شغلا وهموما فيما يأتيك من أطراف ثغورك ، ولكني أعجب لقوم قد اختصصتهم بصحبتك (٢) واخترتهم من قبائلهم كيف لا يناشدونك غدوة وعشية في تعجيل هذا الأمر ، فقال عبد الملك : إذا أخذ الناس مجالسهم عندي العشية فكلمني بمثل هذا الكلام ، فانصرفت وقد كنت سرت سيرا أجهدت فيه نفسي فما استيقظت حتى صلّى عبد الملك وجلس للناس ، فلما لم يرني عبد الملك نظر إلى بعض من عنده فقال : أين الضحاك؟ فصلّيت ولبست ثيابي ، فلما دخلت عليه قمت بين السّماطين فتكلمت بمثل ما تكلمت به في ذكر العهد ، فلما بلغت إلى أني أعجب من قوم اخترتهم من قبائلهم وأكرمتهم بصحبتك كيف لا يناشدونك الله غدوة وعشية في تعجيل هذا الأمر فقال الناس من نواحي السماطين : صدق ، صدق والله يا أمير المؤمنين ، فلما كثر القول منهم وارتفع الصوت قال عبد الملك بيده كفّوا ، فلما سكتوا قال : قد تكلم متكلمكم فأبلغ وأمير المؤمنين ، ناظر فيما طلبتم إليه من تعجيل هذا الأمر إن شاء الله ثم سار إلى الجابية فعقد لهما به ، وكانت الجابية من منازل الخلفاء إذا أرادوا أمرا ، وفيها اجتمعت الرءوس في أمر مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم عنه ، نا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد الفرضي ، نا محمّد بن يحيى الصّولي ، نا الغلابي ، نا محمّد بن عبد الرّحمن التيمي عن أبيه عن هشام بن سليمان قال :
كان سليمان بن سعد الشامي قد كتب لعبد الملك والوليد وسليمان وكان حازما ذا رأي ، فكان يقول : لو صحبني رجل فقال : اشترط عليّ خصلة واحدة ودع ما سواها لقلت : لا تكذبني.
أخبرنا أبو غالب محمّد بن الحسن ، أنا محمّد بن علي السيرافي ، أنا أحمد بن
__________________
(١) الصنبرة بالكسر ثم الفتح والتشديد ثم سكون الباء الموحدة موضع بالأردن مقابل لعقبة أفيق ، بينه وبين طبرية ثلاثة أميال (ياقوت).
(٢) بالأصل : «اختصصهم بصحتك» والصواب ما أثبتناه عن م.