عنك سارعت إليه بكل ما يجب (١) ، واستعنت به على مهم (٢) أموري ، وإن محمّد بن أمير المؤمنين بالمكان الذي بلغك وهو جلدة ما بين عيني ، وأنا أرجو أن يبلغ الله به أفضل ما بلغ من أهل بيته ، وقد ولاك أمير المؤمنين تأديبه وتعليمه والنظر فيما يصلح الله به أمره ، فعليك بتقوى الله وأداء الأمانة فيه ، لخصال لو لم تكن إلّا واحدة لكنت حقيقا إلّا بصنعها (٣) ، فكيف إذا اجتمعت ، أما أولها فأنت مؤتمن عليه فحقّ عليك أداء الأمانة فيه ، وأما الثانية : فأنا إمام ترجوني وتخافني. وأما الثالثة : فكلما ارتقى الغلام في الأمور درجة ارتقيت معه ، ففي هذا ما يرغبك فيما أوصيك به.
إن أول ما آمرك به أن تأخذه بكتاب الله ويقرئه في كل يوم عشرا ، يحفظ القرآن حفظ رجل يريد الكسب به ، وروّه من الشعر أحسنه ، وتخلّل به في أحياء العرب فخذ من صالح شعرهم من هجاء ومدح ، فإنه ليس من قوم إلّا وقد هجوا ومدحوا ، وروّه جماهير أحياء العرب ، ثم تخلّل به في مغازي النبي صلىاللهعليهوسلم وحفظ من كان معه وحسن بلائهم ، وبصّره طرفا من الحلال والحرام ، والخطب وما يحتاج إليه في قدره وموضعه. ثم أجلسه للناس في كل يوم وأدخل عليه أشراف قريش والعرب وعلية الناس ، وأطيبوا لهم الطعام وعجلوا بالغداء فمن أحب بعد الغداء أقام ، ومن أحب أن ينصرف فإن للناس حوائج ، وأدخل عليه أهل الفقه والدين فانهم إذا خرجوا من عنده فرآهم الناس ظنوا أنه مثلهم ، وإن لم يكن مثلهم ، ولا تدخل عليه أهل الفسق والدعارة وشرّاب الخمر ، فإنهم إذا خرجوا من عنده ظن أنه مثلهم ، وإن لم يكن مثلهم ، وإذا سمعت منه الكلمة الحسنة فنبّه القوم لها ، فلعلهم لم يفطنوا لما جاء به ، وفطنت له لاهتمامك بأمره ، لأنهم إذا خرجوا أذاعوا ذلك عنه ، وإذا سمعت منه الكلمة العوراء فاصمت (٤) عنها فلعل القوم لم ينتبهوا (٥) لها فإذا خرجوا من عنده فانقله منها إلى غيرها ، وخبّره بفسادها ثم انظر إليه في بدنه فمره فليستنّ عرضا وليحلق شعره ، تغلظ قصرته (٦) ، وعلّمه شعر حاتم يسخ
__________________
(١) في المختصر : ما يحب.
(٢) في المختصر : فهم أموري.
(٣) في المختصر : ألّا تضيّعها.
(٤) بالأصل : «فما صمت» والصواب ما أثبت عن م.
(٥) مهملة بالأصل بدون نقط ، وفي م : «ينتهوا» والصواب ما أثبت.
(٦) القصرة : أصل العنق (اللسان).