لمّا اختار الله عزّ وجلّ أن يخلق بشراً من صلصال ، وأنبأ الملائكة بمشيئته ، وتحقّقت هذه المشيئة ، وخلق الإنسان ، وجاء وقت الإذعان لمشيئة الرحمن بالسجود له.
نحن قلنا : إنّ الربوبية ـ الألوهية ـ تتكوّن من عنصرين : القدرة على الخلق ، والقدرة على الإختيار ، فالإله هو الذي يخلق ، ولهذا يقول الحق : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيء أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ ) (١) ، ويقول : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ ) (٢).
فالخالق يقترن بقدرته على الخلق ، لا أقول قدرته في الإختيار ، بل وحقه في الاختيار أنّه خلق ، أليس مِن حق مَن خلق ملك ، ومَن ملك تصرّف ، والتصرّف اختيار ، يختار ما شاء؟
اختار آدم لاستخلافه وليهيّئه للإستخلاف بحيث علّمه ما لا تعلم الملائكة ـ من دون تفصيل ، والوقت لا يتسع لأن نتساءل ما الذي علّمه لآدم ـ علّمه الأسماء كلها ، وهذا التعليم أجّج غيرة إبليس ، فبدل أن يقول : سبحان الذي يَخلق ولا يُخلق ويَقدر ولا يُقدر عليه ويَختار ولا يُختار عليه ، فهو بدل أن يقول كذلك قال : أنا أؤمن بأنك الخالق ، لكن أنازع في اختيارك آدم.
__________________
١ ـ الطور : ٣٥ ـ ٣٦.
٢ ـ الزخرف : ٩.