من الجنة ، لماذا؟ فهو لم يقل له لأنك لم تعبدن ، ولا لأنّك لم تذكر أنّي خالقك ، ولا لأنّك تصوّرت نفسك إلهاً ، وإنّما قال له : ( فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ) (١) ، يعني الاستكبار على أمر الله في الاختيار مصيره الطرد.
لقد ألمح الطبري في تفسيره إلى أنّ إبليس عندما طُرد من الجنّة جأر إلى الله محتجّاً وشاكياً ومتحدياً (٢).
هذا التحدي الذي سيكون سبباً لدخول الاختيار على بني آدم ، تحدى بأي شيء؟
قال : يا ربّ أنا عبدتك في الأرض وعبدتك في السماء حتى ابتليتني بهذا المخلوق الذي خلقته من طين وأمرتني بالسجود له ، فعظُم عليّ أن أسجد للطين ، هلاّ ابتليت ذريته بما ابتليتني به ففضّلت بعضهم على بعض لترى كيف يفعلون ببعضهم؟
وعن هذا تتحدث الآية في السُنة الكونية ، يقول الحق : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْض لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) (٣).
الله تعالى وجد أنّ احتجاج إبليس احتجاج وجيه ، وبعدله وبتقديره في الأزل أجرى الاختيار على ابني آدم منذ فجر الخليقة.
__________________
١ ـ الأعراف : ١٣.
٢ ـ تفسير الطبري : ٨ / ١٧٢ ـ ١٧٥.
٣ ـ الأنعام : ٥٣.