وكان محمّد رجلا جديا يكره الباطل وأهله ، فأشفقنا مما صنع ، ولم نستطع أن نرد (١) عليه ، ونحن معه عدة من آل الزبير.
وتقدم عنا الأحوص ، ولم يكن لي شأن غيره أن أعتذر إليه ، وأفرق من محمّد ، فلما هبطنا من المشلّل (٢) على خيمتي أم معبد. سمعت الأحوص يهمهم بشيء ، ففهمته (٣) وهو قد بدرني ، ومحمّد خلف خيمتي أم معبد ، محمّد كأنه يهيّئ القوافي ، فأمسكت راحلتي حتى لحقني محمّد فقلت : إنّي أسمع هذا يهيئ القوافي ، فإما تركتنا نعتذر إليه وأرضيناه ، وإما خلّيت بيننا وبينه فضربناه ، فإنا لا نصادفه في أخلى من هذا المكان ، قال : كلا ، إنّ سعد بن مصعب قد أخذ عليه أن لا يهجوا زبيريا أبدا ، وإن فعل (٤) رجوت أن يخزيه الله ، دعه.
وذكر الزبير بن بكار في رواية الدمشقي ويحيى بن علي بن يحيى المنجم عنه قال : حدّثني عبد الرّحمن بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمرو بن سفيان الجمحي (٥) قال :
كان عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتّخذ بيتا وجعل فيه شطرنجات (٦) ونردات ، وقرقات (٧) ودفاتر فيها من كل علم ، وجعل في الجدار أوتادا ، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها ، ثم جرّ دفترا فقرأه ، أو بعض ما يلعب به ، فيلعب مع بعضهم ، وإن عبد الحكم يوما لفي المسجد الحرام إذا فتى داخل من باب الخياطين (٨) باب بني جمح عليه ثوبان معصفران مدلوكان ، وعلى أذنيه ضغثا ريحان ، وعليه ردع (٩) خلوق ، فأقبل يشق الناس حتى جلس إلى عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله ، فجعل من رآه يقول : ما ذا صبّ عليه من هذا اليوم ، لم يجد أحدا يجلس إليه غيره؟ ويقول بعضهم : فأي شيء يقول له؟ عبد الحكم أكرم من أن يجبه ، فتحدث إليه ساعة ثم أهوى فشبّك يده في يد عبد الحكم ، وقام يشق المسجد حتى خرج من باب الخياطين (١٠).
__________________
(١) الأصل : «يستطيع .. يرد».
(٢) المشلل : بالضم فالفتح وفتح اللام المشددة ، جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر.
(٣) الأغاني : فتفهمته.
(٤) مكررة بالأصل.
(٥) راجع الخبر في الأغاني ٤ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٦) الأصل : أسرنجات ، والمثبت عن الأغاني.
(٧) القرقات جمع قرق ، وهي لعبة للصبيان يخطون بها أربعة وعشرين خطا مربعة. كل مربع منها داخل الآخر ، ويصفون بين تلك المربعات حصيات صغيرة على طريقة مخصوصة (هامش الأغاني).
(٨) كذا بالأصل ، وفي الأغاني : الحناطين.
(٩) عن الأغاني وبالأصل : «درع» والردع : أثر الخلوق والطيب في الجسد ، وقيل : اللطخ بالزعفران.
(١٠) كذا بالأصل ، وفي الأغاني : الحناطين.