قال عبد الحكم فقلت في نفسي : ما ذا سلط عليّ منك ، رآني معك الناس في المسجد ، ونصفهم في الخياطين (١)؟ حتى دخل عبد الحكم بيته وعلق رداءه ، على وتد وحلّ إزاره ، وأخذ الشطرنج ، وقال : من يلعب بها؟ فبينما هو كذلك إذ دخل الأبجر المغني فقال له : أي زنديق ما جاء بك هاهنا وجعل يشتمه ويمازحه ، فقال عبد الحكم : أتشتم رجلا في منزلي ، قال : تعرفه ، هذا الأحوص ، فاعتنقه عبد الحكم وحيّاه وقال : أما إذا كنت الأحوص فقد هان عليّ كلّ ما فعلت.
قال الزبير : وحدّثني عمرو بن أبي سليمان ، عن يوسف بن عنيزة (٢) قال : هجا الأحوص بن محمّد رجلا من الأنصار من بني حرام يقال له ابن بشير ، وكان كثير المال ، فغضب من ذلك ، فخرج حتى قدم على الفرزدق بن غالب بالبصرة ، فهدى (٣) له وألطفه فقبل ذلك منه ، فجلسا يتحادثان ، فقال له الفرزدق : ممن أنت؟ قال : من الأنصار ، قال : ما أقدمك؟ قال : جئت مستجيرا بالله ثم بك من رجل هجاني ، قال : قد أجارك الله منه ، وكفاك مئونته ، فأين أنت عن الأحوص بن محمّد ، قال : هو الذي هجاني ، فأطرق ساعة ثم قال : أليس الذي يقول :
ألا قف برسم الدار فاستنطق الرّسما |
|
فقد هاج أحزاني وذكّرني نعما |
قال : بلى ، قال : فلا والله ما أهجو رجلا هذا شعره ، فخرج ابن بشير فاشترى أفضل من الشراء الأول من الهدايا ، وقدم بها على جرير ، فأخذها وقال له : ما أقدمك؟ قال : جئت مستجيرا بالله وبك من رجل هجاني ، قال : قد أجارك الله وكفاك ، أين أنت عن ابن عمك الأحوص بن محمّد ، قال : هو الذي هجاني ، قال : فأطرق ساعة ثم قال : أليس الذي يقول :
تمشّى بشتمي في أكاريس (٤) مالك |
|
شبابة (٥) كالكلب الذي ينبح النّجما |
فما أنا بالمخسوس (٦) في جذم مالك |
|
ولا بالمسمّى ثم يلتزم الإسما |
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي الأغاني : الحناطين.
(٢) الأصل : «عشرة» والمثبت عن الأغاني وفيها : يوسف بن أبي سليمان بن عنيزة. انظر فيها الخبر ٤ / ٢٦٣.
(٣) الأغاني والمطبوعة : فأهدى له.
(٤) الأصل : «تمشي في أكاريش» والمثبت عن الأغاني ٤ / ٢٦٣.
وأكاريس جمع الجمع لكرسي وهو هنا الجماعة من الناس.
(٥) الأغاني : تشيد به كالكلب إذ.
(٦) الأصل : «بالمحسوس ... بكريم الأسما» والمثبت عن الأغاني ، والجذم : الأصل.