العبّادة والجهاد ، واستقضاه المستنصر بالله ـ يعني : الأموي ـ بموضعه ثم استعفاه من القضاء فأعفاه.
وكان فقيها ، فاضلا ، دينا ، ورعا ، صليبا في الحق ، لا يخاف في الله لومة لائم ، ما كنا نشبهه إلّا بسفيان الثوري في زمانه ، وأنكر على بعض أسباب السلطان شيئا في ناحيته (١) ، فسعى به فعهد بإسكانه قرطبة ، فقدمها علينا في أحد شهري ربيع سنة خمس وسبعين فقرأ الناس عليه أكثر روايته.
وكان مما أخذنا عنه مما لم يكن عند شيوخنا كتاب معاني القرآن للزّجّاج (٢) ، وقرأت عليه كثيرا وأجاز لنا جميع روايته وكان ثقة مأمونا وكان فارسا بئيسا ، بلغني أنه كان يقف وحده للفئة ، سمع منه غير واحد من شيوخنا الذين كتبنا عنهم : محمّد بن أحمد بن يحيى (٣) القاضي ، وأحمد بن عون الله ، وعبّاس بن أصبغ ، وإسماعيل بن إسحاق ، وعبد الله بن إسماعيل. صاحبنا إلى جماعة من كبار أصحابنا ، ولم يزل يحدث إلى أن سرح إلى بلده ، أقام متلوّما أشهرا على من كان بقي عليه سماع ما كان نسخه أوقاته ، محتسبا في ذلك.
وخرج من قرطبة (٤) إلى موضعه يوم الأحد لثلاث يعني من ذي القعدة سنة ست وسبعين وثلاثمائة ، وكانت الرحلة إليه من جميع نواحي الثغر ، ونفع الله به عالما كثيرا ، وتوفّى رحمهالله وأنا (٥) بالمشرق لثماني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة ، بقلعة أيوب ، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
٣٥٣٤ ـ عبد الله بن محمّد بن محمّد بن معاذ
أبو بكر التّيمي
حدّث عن أبي مسهر ، وهشام بن عمّار.
روى عنه : أحمد بن أنس بن مالك ، وأبو عمر محمّد بن موسى بن فضالة.
__________________
(١) بعدها بالأصل : شيئا ، وفي ابن الفرضي : أسباب السلطان في ناحيته شيئا.
(٢) بعدها في ابن الفرضي : قرئ عليه وسمعته حاشى سورة البقرة ثم قرأت عليه الكتاب من أوله إلى آخره.
(٣) عن تاريخ علماء الأندلس ، وبالأصل : علي.
(٤) تقرأ بالأصل : «وطنه» والمثبت عن تاريخ علماء الأندلس.
(٥) بالأصل : «وأتانا» والمثبت عن تاريخ علماء الأندلس.