فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعثنا هاهنا ، وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا ، قال : فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ، قال : فوفينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ، أو قال : أعطانا منها ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلّا من شهد معه إلّا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معهم ، قال : فكان ناس من الناس يقولون لنا ـ يعني ـ لأهل السفينة : سبقناكم بالهجرة.
قال : فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه ، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس ، فقال عمر : الحبشية هذه؟ البحرية ، هذه؟ فقالت أسماء : نعم ، فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحقّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم منكم ، فغضبت وقالت ـ كلمة ـ : يا عمر كلا والله ، كنتم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار أو في أرض البعد بالحبشة ـ وقال ابن خشيش : أرض البعد والبغضاء بالحبشة ـ وذلك في الله ، وفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأيم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ زاد ابن خشيش : ونحن نؤذى ونخاف ، فسأذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وأسأله ، والله لا أكذب (١) ولا أزيد على ذاك ، فلما جاء النبي صلىاللهعليهوسلم قالت : يا نبي الله ، إنّ عمر قال كذا وكذا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فما قلت له؟» قالت : قلت له كذا وكذا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس بأحقّ بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم ـ أهل السفينة ـ هجرتان» ، قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني ارسالا يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو بردة : قالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث مني.
قال الدار قطني : أخرجه البخاري في موضع عن أبي كريب عن أبي أسامة ، وأخرجه مسلم عن ابن برّاد وأبي كريب عنه.
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أحمد بن جعفر ، نا عبد الله بن أحمد (٢) ، نا أبي ، نا يحيى بن إسحاق ، نا يحيى بن أيوب ، عن حميد ، قال :
__________________
(١) عن ل ، وبالأصل : لا كذب.
(٢) مسند أحمد ٤ / ٣١١ رقم ١٢٥٨٣ ونقله من طريق حميد المزي في تهذيب الكمال ١٠ / ٤٢٧.