قال أبو نعيم : ولقد شهدت ابن المبارك عند وكيع وهو يذاكره ، فجعل ابن المبارك يحدّثه عن الشاميّين والمصريين : مشرح بن هاعان ، وشريح بن عبيد الحضرمي ، وأبي اليمان الهوزني ، فقال له وكيع : عن من تحدّثني؟ أين حديث أهل بدر ، والحديبية بسننه؟ قال : فأنشد ابن المبارك في ذلك المجلس شعر شبيب بن البرصاء (١) :
وإنّي لتراك الضغينة جاهدا |
|
أراها (٢) من المولى فلا استثيرها |
إذا كانت (٣) العوراء ولّيت سمعها |
|
سواي ولم أسأل (٤) بها ما دبيرها (٥) |
ترجّي النفوس لا تستطيعه |
|
وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها |
ألا إنما يكفي النفوس إذا اتّقت |
|
تقى الله مما جاوزت (٦) فيجيرها |
تبيّن أدبار الأمور إذا مضت |
|
وتقبل أشباها عليك صدورها |
قال : فرأيت وكيعا يتحرك ، ويحبّ أن يكتبها (٧) ، ثم قال لمن حوله : اكتبوها ، فإنها تحثّ على الأدب ومكارم الأخلاق.
قال : وقام ابن المبارك فقال وكيع : لله درّه ما أعز نظيره.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا أبو الحسن رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد العزيز ، نا محمّد بن يحيى ، نا عتّاب بن زياد ، قال : سمعت ابن المبارك يقول : يا ابن المبارك إذا عرفت [نفسك](٨) لم يضرك ما قيل فيك.
أنبأنا أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ـ قراءة ـ أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر الجرّاحي ، نا يحيى بن ساسويه ، نا عبد الكريم بن أبي عبد الكريم السّكري ، قال : قال وهب بن زمعة : أنا علي بن عبد الله العابد قال : كنت جالسا مع عبد الله (٩) فجاءت (١٠) امرأة ،
__________________
(١) البرصاء أمه واسمها قرصافة ، وهو شبيب بن يزيد بن جمرة ولقبت أمه بالبرصاء لبياضها لا لأنها كان بها برص.
أخباره في الأغاني ١٢ / ٢٧١ وما بعدها.
انظر الأبيات في الأغاني ١٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ من قصيدة طويلة.
(٢) الأغاني : قد بدا ثراها.
(٣) الأغاني : قيلت.
(٤) الأغاني : أسمع.
(٥) يريد بالعوراء الكلمة القبيحة ، ويريد بدبيرها : ما وراءها.
(٦) الأغاني : حاذرت.
(٧) المطبوعة : نكتبها.
(٨) الزيادة عن مختصر ابن منظور ١٤ / ٢١ والخبر مكرر بالأصل وهذه اللفظة موجودة في المكرر.
(٩) في المطبوعة : عبد الله بن المبارك.
(١٠) المطبوعة : فجاءته.