يا ابن المبارك (١) ، أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام ، كيف ذا؟ فقال ابن المبارك : يا أبا علي ، إنّما أفعل ذاك لأصون به وجهي ، وأكرم به عرضي ، وأستعين به على طاعة ربّي ، لا أرى لله حقا إلّا سارعت إليه حتى أقوم به ، فقال له الفضيل : يا ابن المبارك ، ما أحسن ذا إن تمّ ذا.
حدّثني أبو أحمد معمر بن عبد الواحد بن رجاء بن الفاخر الأصبهاني ـ بجرباذقان ـ أنا أبو منصور أحمد بن محمّد بن عمر بن إدريس ، أنا محمّد بن أحمد بن عبد الرحيم ـ قراءة عليه ـ نا أبو الفتح يوسف بن عمر القوّاس ، نا محمّد بن داود ، نا محمّد بن أحمد [بن (٢) منصور ، أنا عمر بن الحكم ، حدّثني جعفر بن عبد الله الورّاق قال :
قدم ابن المبارك الكوفة ومعه مال ، فقسمه ، فصرّ صررا فجعل يوجه إلى كلّ شيخ بصرّة ، فوجّه إلى أبي أسامة (٣) بصرة وكتب إليه بهذين البيتين (٤) :
وفتى خلا من ماله |
|
ومن المروءة غير خال (٥) |
أعطاك قبل سؤاله |
|
وكفاك مكروه السّؤال |
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله السّلمي ـ فيما قرأ عليّ إسناده وناولني إياه وقال : اروه عنّي ـ أنا محمّد بن (٦) الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (٧) ، حدّثنا محمّد بن داود بن سليمان النيسابوري قال : سمعت الحسن بن سفيان يقول :
قال حبّان عن ابن المبارك : إنه قسم يوما لإخوانه ومن حضره من أصحابنا ألف درهم ، ثم قال :
لا خير في المال وكنّازه |
|
بل لجواد (٨) الكفّ وهابه |
يفعل أحيانا بزوّاره |
|
ما يفعل الخمر بشرّابه |
__________________
(١) «يا ابن المبارك» ليس في تاريخ بغداد.
(٢) زيادة لازمة للإيضاح.
(٣) الأصل : ابن أبي أسامة. والمثبت عن تاريخ الإسلام.
(٤) البيتان في تاريخ الإسلام (١٨١ ـ ١٩٠) ص ٢٣٨ وسير أعلام النبلاء ٨ / ٤١٠.
(٥) كذا بالأصل وسير الأعلام ، وفي تاريخ الإسلام خالي ، وهو أظهر.
(٦) بالأصل : «محمد محمد الحسين» والصواب ما أثبت ، والسند معروف.
(٧) الجليس الصالح الكافي ٣ / ٢٧٣.
(٨) كذا بالأصل والجليس الصالح الكافي ، وفي المطبوعة : بجواد.