وأنبأنا أبو حامد بن الشرقي ، حدّثنا محمّد بن يحيى ، وأبو الأزهر ، وحمدان السّلمي ، قالوا : أنبأنا عبد الرزّاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال :
لم أتخلف عن النّبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلّا بدرا ولم يعاتب النّبي صلىاللهعليهوسلم أحدا تخلّف عن بدر ، إنّما خرج يريد العير ، فخرجت قريش معونين لعيرهم ، فالتقوا عن غير موعد كما قال الله ، ولعمري أنّ أشرف مشاهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس لبدر ، وما أحب أنّي كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث تواثقنا (١) على الإسلام ثم لم أتخلّف عن النّبي صلىاللهعليهوسلم بعد في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها ، وأذن النّبي صلىاللهعليهوسلم الناس بالرحيل ، وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم ، وذلك حين طاب الظلال وطابت الثمار ، وكان [قلّ](٢) ما أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم غزوة إلّا ورّى (٣) بغيرها ، وفي حديث ابن حمدون قال محمّد : قال عبد الرزّاق مرة إلّا وري بغيرها ، قال لي بعض أصحابنا : وارى خبرها ، ثم اتفقا فقالا : ـ وكان يقول : «الحرب خدعة» ، فأراد النّبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبته وأنا أيسر ما كنت قد جمعت راحلتين وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفة الحاد وأنا في ذلك أصفو إلى الظلال ، وطيب الثمار ، فلم أزل كذلك حتى قام النّبي صلىاللهعليهوسلم بالغداة وذلك يوم الخميس ، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس فأصبح غاديا إلى السوق ، فأشتري جهازي ثم ألحق بهم ، فانطلقت إلى السوق من الغد فعسر عليّ بعض شأني فرجعت فقلت : أرجع غدا (٤) إن شاء الله فألحق بهم ، فعسر عليّ بعض شأني أيضا ، فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذنب ، وتخلّفت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجعلت ـ وقال الشيباني : فجعلت ـ أمشي في الأسواق وأطوف وأطوف بالمدينة فتحدّثني ـ وقال الشيباني : يحدّثني ـ إنّي لا أرى أحدا إلّا رجلا مغموصا عليه في النفاق ـ وقال أبو الأزهر وحمدان السلمي هاهنا إلّا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو بعض من عذر الله من الضعفاء ، وكان ليس أحد تخلف إلّا رئي وقال الشيباني : رأى ـ أن ذلك سيخفى له وكان الناس كثيرا لا يجمعهم ديوان ، وكان جميع من تخلّف عن النّبي صلىاللهعليهوسلم بضعة وثمانين رجلا ولم يذكرني (٥) النّبي صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ تبوكا ، فلمّا بلغ تبوكا قال : ما فعل
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي م و «ز» : توافقنا.
(٢) زيادة عن م و «ز».
(٣) ورّى بغيرها : أي أنه أخفى أمرها وأظهر أنه يريد الذهاب إلى وجه آخر ، في غزوة أخرى.
(٤) بالأصل : «غد» والمثبت عن م و «ز».
(٥) الأصل : «يذكر» والمثبت عن م و «ز».