شهدا (١) بدرا لي فيهما أسوة ، فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا أكذب نفسي قال : ونهى النّبي صلىاللهعليهوسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة قال : فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلّمني أحد ، وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذين ـ وقال الشيباني : بالذي ـ نعرف ، وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ، وتنكرت لنا الأرض حتى ما هي بالأرض التي نعرف ، وكنت أقوى أصحابي ، فكنت أخرج فأطوف بالأسواق فآتي إلى المسجد فأدخل وآتي ـ وقال الشيباني : فآتي ـ النّبي صلىاللهعليهوسلم فأسلّم عليه ، فأقول هل حرك شفتيه بالسلام ، فإذا قمت أصلّي إلى سارية فأقبلت قبل (٢) صلاتي نظر إليّ بمؤخر عينيه ، وإذا نظرت إليه أعرض عني ، واستكان صاحباي (٣) فجعلا يبكيان الليل والنهار لا يطلعان رءوسهما. قال : فبينا أن أطوف بالسوق إذا رجل نصراني جاء بطعام له يبيعه يقول : من يدلّني على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إليّ ، فأتاني وأتاني بصحيفة من ملك غسان ، فإذا فيها : أما بعد ، فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ، ولست بدار مضيعة ولا هوان ، فالحق بنا نواسك (٤) فقلت : هذا أيضا من البلاء والشرّ ، فسجرت لها التنور وأحرقتها ـ وقال الشيباني : فأحرقتها ـ فلما مضت أربعون ليلة إذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أتاني ، فقال : اعتزل امرأتك ، فقلت : أطلّقها؟ قال : «لا ، ولكن لا تقربنها» ، فجاءت امرأة هلال ، فقالت : يا نبي الله ، إنّ هلال بن أمية شيخ ضعيف ، فهل ـ وقال الشيباني : هل ـ تأذن لي أن أخدمه؟ قال : «نعم ، ولكن لا يقربنّك» قالت : وقال الشيباني : فقالت ـ يا نبي الله ، والله ما به حركة لشيء ، ما زال مكبا يبكي الليل والنهار منذ ـ وقال الشيباني : مذ ـ كان من أمره ما كان. قال كعب : فلما طال عليّ البلاء اقتحمت على أبي قتادة حائطه وهو ابن عمي ، فسلمت عليه فلم يرد عليّ فقلت : أنشدك الله يا أبا قتادة ، أتعلم أنّي أحب الله ورسوله؟ فسكت حتى قلتها ثلاثا ، فقال أبو قتادة في الثالثة : الله ورسوله أعلم ، فلم أملك نفسي أن بكيت ، ثم اقتحمت الحائط خارجا ، حتى إذا مضت خمسون ليلة من حين نهى ـ زاد الشيباني : النبي صلىاللهعليهوسلم ـ الناس عن كلامنا صلّيت على ظهر بيت لنا صلاة الفجر ، ثم جلست وأنا في المنزلة التي قال الله عزوجل قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا إذ سمعت نداء من ذروة سلع : أن أبشر يا كعب بن مالك ،
__________________
(١) بالأصل : شهد ، والمثبت عن م و «ز».
(٢) بالأصل : «إلى سارية فاقبل صلاتي» والمثبت عن م و «ز».
(٣) الأصل : «صاحبان» والمثبت عن م و «ز».
(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : نواسيك.