وينعم عليهما ، فأرسل السلطان سليم لهما بالأمان وعهد لهما بما يطيب خاطرهما ، وأن يوليهما مملكة مصر والشام فقبلا ذلك منه ووافقاه على ذلك بعد القتال ، فلما تلاقا العسكران واضطرمت نيران البنادق فى مرج دابق فر خير بك بمن معه من الميمنة ، وفر الغزالى ومن معه من الميسرة ، وبقى السلطان الغورى بمن معه من خواصه وجلسائه فى القلب ، وأطلقت البنادق والضريزن ، فهلك من هلك ، وهرب من هرب ، لا يدرى إيه سلك ، وانقلب النهار ليلا مظلما بالدخان وامتلأ وجه الأرض بشعل النفط والنيران وغار الغورى تحت سنابك الخيل.
ومحى نور العدل ظلام الظلم ، كما يمحى النهار الليل ، وذهبت قتلاهم الوحوش والطير كأن لم يكونوا شيئا مذكورا ، وأقبلت رايات السلطان سليم على قلعة حلبة الشهباء ، وقد احمرت من إسالة الدماء ؛ فطلب أهلها منه الأمان فأجابهم إلى القبول لطفا وكرما فخرجوا إلى لقائه بالمصاحف والأعلام ، وهم يحمدون بالتسبيح والتكبير ، ويقرأون : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(١).
فقابلهم بالإجلال والإكرام ، وأفرغ على أهلهم خلع اللطف والأنعام ، وتصدق بأنواع الصدقات الجلية على الخاص والعام ، وحضر صلاة الجمعة ، وخطب الخطيب باسمه الشريف ودعا له ولآبائه وأسلافه ، وبالغ فى المدح والتعريف.
ومما قيل : وما زاده للألقاب فخرا وسؤددا بإطناب ذى مدح وإكثار مادح ، وعند ما سمع السلطان سليم الخطيب يقول فى تعريفه خادم الحرمين الشريفين ، سجد شكرا لله ثم قال : الحمد لله الذى يسر لى أن صرت خادم الحرمين الشريفين ، وأضمر خيرا جميلا وإحسانا جزيلا لأهل الحرمين الشريفين ، وخلع على الخطيب خلعا متعددة وهو على المنبر ، فأحسن إليه إحسانا كثيرا بعد ذلك.
__________________
(١) الآية رقم ١٧ من سورة الأنفال ، مدنية.