عمت أكثر الطبائع والشيم وغلبت على أكثر الأعالى والهمر ، ولا يملئ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، واستمر فى الوزارة العظمى إلى أن قتل المرحوم السلطان مصطفى ، وكان ذلك كما يقال بتأسيسه وتتحيله ومكره وتدسيسه ، حتى إن بعض الظرفاء جعل تاريخ ذلك على ما زعم أنه ألهم به وهو مكرر متم ، وتوهم من العسكر الإقدام عليه بالقتل ؛ فعز له السلطان صونا له وخوفا عليه من العسكر ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وولى مكانه الوزارة العظمى أحمد باشا ، كان وزيرا ثابتا ، وكانت وزارته تحله القسم ، ولعله لما أضمر السلطان فى خاطره الأشم إلى أن قدر الله ـ تعالى ـ ما قدره فى الأزل ودنا منه وقت حلول الأجل ، فعند بروزه من عوض الأمور عليه ، وانصرافه من بين يديه ، أمر بقتله عند الباب الداخل من السرايا فخنق هناك وأخرج ملفوفا فى بساط وتفرقت عنه الأباع والأسياط ، ومضى إلى الله الكريم وأقدم على الغفور الرحيم ، وأعيد فى الوزارة العظمى رستم باشا ، واستمر وزيرا كبيرا معتبرا اعتبارا كبيرا يعمل بآرائه وينفرد بإنفاد الأمر وإمضائه لا يعارضه أحد من الأركان ، بل يطيعونه ويذعنون له غاية الإذعان ، وصار لا تتصرف قضاة العسكر والدفتردارية والبكلاربكية ، وسائر الحكام والنظار فى منصب جليل أو حقير صغير أو كبير إلا بأمره وإشارته وإرادته ، بحيث لم يعهد أن وزيرا غيره أحاط بالأمور كإحاطته ، وحفظ جزئيات المناصب وكلماتها ويتعظ لحفظه ويقظته ، وكان لا يخلو من الصدقات والإحسان والميل إلى العلماء والصلحاء ، واستمر على عظمته وجلاله لم يختل منها شىء ، إلا فى فتنة السلطان بايزيد ، وكل شىء حد محدود وأمن المقدور ممدود ؛ فإن السلطان اتهمه مع بايزيد ، ونزلت مرتبته بسبب ذلك عنده بالنوب البعيد ، ولكنها كانت تهمة واهية لا أصل لها ، وكان خائفا من ذلك أ» د الخوف ، ولم يشاوره السلطان فى شىء من أحوال بايزيد ، وكان يشاور على باشا ؛ فأدى الحال إلى ما أدى ، ولو استشار رستم باشا وأطاعه فى أمره لم يتفاقد أمره إلى ما آل إليه بحسن سياسيه ودقة تدبيره ، والأمر إلى الله من قبل ومن بعد وما قدر الله فهو كائن ، والأخطار تدول حول الأخطار ،