إليه ؛ وأخربوا قراهم ودورهم وساسهم ، وعادوا إلى سفائنهم ؛ فاجتمع كل من ذلك الساحل من النصارى من فارس ولأجل ، وساروا عسكرا ، وأقدموا للقتال من ينزل إلى البر من المسلمين ؛ فخرج إليهم من السفائن بعض البخارين والكوركجية ، وبعض من بنيته الجهاد فى سبيل الله تعالى ؛ فقاتلوا الكفار ، وهزموهم ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، وفر الباقون ، ولم يعهد للملاعين مثل هذه الهزيمة والخسران ، وذهاب أرواحهم وأموالهم ، وأسروا أولادهم ونساءهم قبل الآن : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)(١).
ثم أطلق المسلمون النار فى تلك السواحل وأحرقوا أشجارها وقصورها ، وعجلوا بأهلها إلى جهنم ، وساءت مصيرا.
وفى اليوم الحادى عشر من ربيع الأول ، ظفر عسكر الإسلام بسفينة للنصارى مشحونة قمح ، كانت متوجهة إلى بعض قلاعهم ، واغتنم المسلمون ذلك ، وكان فألا حسنا للمسلمين ، وفى اليوم الثانى عشر من الشهر المذكور وصلوا إلى جهود أوس ، وطاب الريح للمسلمين ؛ فوصلوا إلى قلعة خراب من أرض تونس ، فيها مالقه لودلن ، وهى على ثمانية عشر ميلا من مدينة تونس ، فتزينت السفائن والأغربة بالرايات المصبوغة ، ألوانا إظهارا لهيبة الإسلام ، وعنوانا للعساكر المنصورة العثمانية ، فأرسوا فى اليوم الرابع والعشرين فى جزيرة حلق الواد ، ونزلت العساكر المنصورة السليمانية ، ونصب وطاق حضرة الوزير المعظم والقبودان المكرم ، على مسافة لا يصل المدافع إليها من حلق الواد ، ونزلوا المدافع الكبار ، التى إذا رمى بها ، تزلزلت الجبال ، وتهدمت ، وتخرب الأطود الكبار وتحطمها ، وشرعوا يتقربون قليلا قليلا إلى القلعة ، ويبنون لهم متاريس ، يتترسون بها ، ويسوقون الأتربة أمامهم ، ويستقرون خلفها ، ويحفرون خنادق ينزلون فيها ، كيلا تصيبهم المدافع ، ويتقربون ويدنون إلى القلعة على هذا الأسلوب إلى أن أحاطت العساكر المنصورة بقلعة حلق الواد وتقدموا بالبنادق ، والآن الجهاد ،
__________________
(١) الآية رقم ١٢٧ منو سورة طه ، مكية.