منعت قبل النوم وأذنت بعده ، قالت : رأيت الساعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يقول : دعيه يحجّ فإنّ الخير له في حجّه في الآخرة والأولى ، ففرح ، وباع من دفاتره ما له قيمة ودفع إليها من ثمنها نفقة لها ، وخرج مع الحجّاج ، وأخذ العرب الحجّاج وأخذوه في الجملة.
قال ابن سمعون : فبقيت عريا (١) ووجدت مع رجل عباءة فكانت علي عدل ، فقلت له : هب لي هذه العباءة أستر نفسي بها ، فقال : خذها ، فجعلت نصفها على كتفي ونصفها على وسطي ، وكان عليها مكتوب : يا رب سلّم وبلّغ برحمتك يا أرحم الراحمين ، وكنت إذا غلب عليّ الجوع ، ووجدت قوما يأكلون ، وقفت أنظر إليهم ، فيدفعون لي الكسرة ، فأقتنع بها ذلك اليوم ، ووصلت إلى مكة ، فغسلت العباءة ، وأحرمت بها ، وسألت أحد (٢) بني شيبة أن يدخلني البيت ، وعرّفته فقري ، فأدخلني بعد خروج الناس وغلّق الباب ، فقلت : اللهم إنك بعلمك غنيّ عن إعلامي بحالي ، اللهمّ ارزقني معيشة أستغني بها عن سؤال الناس ، فسمعت قائلا يقول من ورائي : اللهم إنه ما يحسن أن يدعوك ، اللهم ارزقه عيشا بلا معيشة ، فالتفتّ فلم أر أحدا ، فقلت : هذا الخضر أو أحد الملائكة ، فأعدت القول ، فأعاد الدعاء ، فأعدت ، فأعاد ثلاث مرات ، وعدت إلى بغداد ، وكان الخليفة قد حرم جارية من جواريه ، وأراد إخراجها من الدار ، فكره ذلك إشفاقا عليها ، قال أبو محمّد بن السني : فقال الخليفة : اطلبوا رجلا مستورا يصلح أن يزوّج هذه الجارية ، فقال من حضر : وصل ابن سمعون من الحجّ وهو يصلح لها ، فاستصوب الخليفة قوله وتقدم بإحضاره وحضور الشهود ، فأحضروا ، وزوّج بالجارية ونقل معها من المال والثياب والجواهر ما يحمل الملوك ، فكان ابن سمعون يجلس على الكرسي للوعظ فيقول : أيها الناس خرجت حاجّا فكان من حالي كذا وكذا ، ويشرح حاله جميعها ، وها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون ، وطيبي ما تعرفون ، ولو وطئت على العتبة تألمت من الدلال ونفسي تلك.
أخبرنا أبو القاسم الحسني ، وأبو الحسن الغساني ، قالا : حدّثنا [ـ و](٣) أبو منصور بن خيرون ، أنبأنا ـ أبو بكر الخطيب (٤) ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن غالب البرقاني قال :
__________________
(١) في المختصر : «عريان» وفي سير أعلام النبلاء : عريانا.
(٢) بالأصل : «إحدى» والمثبت عن م ، وت ، ود.
(٣) زيادة لتقويم السند عن م ، ود ، وت.
(٤) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١ / ٢٧٥ وسير الأعلام ٦ ١ / ٥٠٧.