حكى عنه الحسن بن جهضم إن لم يكن صاحب الجلّاء فهو غيره.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد ، حدّثنا نصر بن إبراهيم ـ لفظا ـ أنبأنا أبو رجاء هبة الله بن محمّد الشيرازي ـ إجازة ـ أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد البغدادي ـ ساكن أطرابلس ـ حدّثنا الحسن بن علي بن خلف صاحب أبي الحارث الأولاسي (١) عن أبي الحارث الفيض بن الخضر قال : رأيت على رأس جبل رجلا (٢) كأنه الشن البالي ، شاخص ببصره نحو السماء ، ما يفترّ من الذكر ، وجرى بيني وبينه كلام ، وسألته المقام معه ، فقال : إن أطعت ما طوقت فأقم ترى ما تحبّ ، وإلّا فما أسرع فراقك إياي ، فقلت : وما هو؟ قال : يكون الذهب والفضّة عندك بمنزلة الحصى والمدر ، [والسباع](٣) والهوام بمنزلة الطير والأنعام فرقك من ولد جنسك كفرقك من السباع الضارية ، وخوفك على تلف دينك بينهم كخوفك عليه من الشيطان حينئذ تنال ما تريد ، وتثبت على ما تروم ، ومتى كان الذهب والفضّة أكبر في قلبك فإنك يوما ما ستميل إلى الأكبر ، ومتى كان للسباع في قلبك هيبة يوشك ألّا تأمن ومتى كانت مؤانسة المخلوقين قائمة في قلبك فيوشك ألّا تخرج إلى حال الانس ، واعلم يا فيض أن ثلاثة أشياء هي ملاك ذا الأمر تمامه : تعلم أنّ لك رزق مقسوم من كلّ شيء معلوم ، ولذلك كلّه أجل معلوم بقدر الله محتوم فلا تشتغل بطلب ولا بتوقيت ولا بتمييز حتى يردّ عليك في وقته ما كان رزقك إباحة لك ، فتناله بشكر وتفتقد على الصبر ، وأخرى قصر الأمل لا يكون فيك فضل لهم يعترض على همك حتى تكون بهم واحدا قائما (٤) وأخرى تعلم أنّك ميت لا محالة ، ولذلك وقت موقّت لا تدري أنت متى هو ، فلا تبالي متى وافاك فهنالك لا تبالي أين حللت من البلاد ولا من شاهدت من العباد ، فتقدم إن أردت على بصيرة وإلّا فتأخر على علم بضعف وعجز ، قلت : رحمك الله ، فصف لي حالا يزيد في صبري ، ويشدّ عزمي في احتمال المؤن ويزيل عنّي الجزع ، فقال : تعلم أنّ الله جلّ ثناؤه ناظر إليك ، وأنت بعينه أوما بلغك أنّ الله يقول : بعيني ما يتحمل المتحمّلون من أجلي ، وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي ، قلت له : زدني بما أتقوى به على الصبر؟ قال : إذا علمت أنّ صبرك لمولاك ما يرضى عنك مولاك فاصبر.
__________________
(١) غير واضحة بالأصل ، وفوقها ضبة ، والمثبت عن م وت ود.
(٢) سقطت اللفظة من م.
(٣) سقطت من الأصل ، واستدركت عن م ، وت ، ود.
(٤) بالأصل وم وت ود : واحد قائم.