(وَيَكْشِفُ السُّوءَ) : هو كل ما يسوء ، وهو عام في كل ضر انتقل من حالة المضطر ، وهو خاص إليّ أعم ، وهو ما يسوء ، سواء كان المكشوف عنه في حالة الاضطرار أو فيما دونها. وخلفاء : أي الأمم السالفة ، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو خلفاء النبي صلىاللهعليهوسلم من بعده ، أو خلفاء الكفار في أرضهم ، أو الملك والتسلط ، أقوال. وقرأ الحسن في رواية : ونجعلكم بنون المتكلم ، كأنه استئناف إخبار ووعد ، كما قال تعالى : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ).
وقوله : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) : انتقال من حالة المضطر إلى رتبة مغايرة لحالة الاضطرار ، وهي حالة الخلافة ، فهما ظرفان. وكم رأينا في الدنيا ممن بلغ حالة الاضطرار ثم صار ملكا متسلطا. وقرأ الجمهور : تذكرون ، بتاء الخطاب ؛ والحسن ، والأعمش ، وأبو عمرو : بياء الغيبة ، والذال في القراءتين مشددة لإدغام التاء فيها. وقرأ أبو حيوة : تتذكرون ، بتاءين. وظلمة البر هي ظلمة الليل ، وهي الحقيقة ، وتنطلق مجازا على الجهل وعلى انبهام الأمر فيقال : أظلم عليّ الأمر. وقال الشاعر :
تجلت عمايات الرجال عن الصبا
أي جهالات الصبا وهداية البر تكون بالعلامات ، وهداية البحر بالنجوم.
(وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) : تقدم تفسير نظير هذه الجملة. وقرىء : عما تشركون ، بتاء الخطاب. (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) : الظاهر أن الخلق هو المخلوق ، وبدؤه : اختراعه وإنشاؤه. ويظهر أن المقصود هو من يعيده الله في الآخرة من الإنس والجن والملك ، لا عموم المخلوق. وقال ابن عطية : والمقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة ، والإعادة البعث من القبور ، ويحتمل أن يريد بالخلق مصدر خلق ، ويكون يبدأ ويعيد استعارة للإتقان والإحسان ، كما تقول : فلان يبدىء ويعيد في أمر كذا إذا كان يتقنه. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف قال لهم أمن يبدأ الخلق ثم يعيده وهم منكرون الإعادة؟ قلت : قد أنعم عليهم بالتمكين من المعرفة والإقرار ، فلم يبق لهم عذر في الإنكار. انتهى.
ولما كان إيجاد بني آدم إنعاما إليهم وإحسانا ، ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال : (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر ، (وَالْأَرْضِ) بالنبات؟ (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) : أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تدعون من إنكار شيء مما تقدم تقريره (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن