الكلام في ذلك إن شاء الله. وقال صاحب الغنيان : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) للبعث من القبور والحشر ، وعبر هنا بالماضي في قوله : (فَفَزِعَ) ، وإن كان لم يقع إشعارا بصحة وقوعه ، وأنه كائن لا محالة ، وهذه فائدة وضع الماضي موضع المستقبل ، كقوله تعالى : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) (١) ، بعد قوله : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢).
(إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) : أي فلا ينالهم هذا الفزع لتثبيت الله قلبه. فقال مقاتل : هم جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت عليهمالسلام. وإذا كان الفزع الأكبر لا ينالهم ، فهم حريون أن لا ينالهم هذا. وقال الضحاك : الحور العين ، وخزنة النار ، وحملة العرش. وعن جابر : منهم موسى ، لأنه صعق مرة. وقال أبو هريرة : هم الشهداء ، ورواه أبو هريرة حديثا ، وهو : «أنهم هم الشهداء عند ربهم يرزقون» ، وهو قول ابن جبير ، قال : هم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش. وقيل : هم المؤمنون لقوله : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ). قال بعض العلماء : ولم يرد في تعيينهم خبر صحيح ، والكل محتمل. قال القرطبي : خفي عليه حديث أبي هريرة ، وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي ، فيعول عليه في التعيين ، وغيره اجتهاد. وهذا النفخ هو حقيقة ، إما في القرن ، وإما في الصور ، وهو قول الأكثرين. وقيل : يجوز أن يكون تمثيلا لدعاء الموتى ، فإن خروجهم من قبورهم كخروج الجيش عند سماع الصوت ، فيكون ذلك مجازا. والأول قول الأكثرين ، وهو الصواب ، لكثرة ورود النفخ في الصور في القرآن وفي الحديث الصحيح. وقيل : ففزع ، ليس من الفزع بمعنى الخوف ، وإنما معناه : أجاب وأسرع إلى البقاء.
(وَكُلٌّ أَتَوْهُ) : المضاف إليه كل محذوف تقديره : وكلهم. وقرأ الجمهور : آتوه ، اسم فاعل ؛ وعبد الله ؛ وحمزة ، وحفص : أتوه ، فعلا ماضيا ، وفي القراءتين روعي معنى كل من الجمع ، وقتادة : أتاه ، فعلا ماضيا مسندا الضمير كل على لفظها ، وجمع (داخِرِينَ) على معناها. وقرأ الحسن ، والأعمش : دخرين ، بغير ألف. قيل : ومعنى آتوه : حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية ، ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمره وانقيادهم له. (وَتَرَى الْجِبالَ) : هو من رؤية العين تحسبها حال من فاعل ترى ، أو من الجبال. وجامدة ، من جمد مكانه إذا لم يبرح منه ، وهذه الحال للجبال عقيب النفخ في الصور ، وهي أول أحوال الجبال ، تموج وتسير ، ثم ينسفها الله فتصير كالعهن ، ثم تكون هباء منبثا في آخر الأمر.
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٩٨.
(٢) سورة هود : ١١ / ٩٨.