إلى ظل جدار لا سقف له. وقيل : جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس. (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ، قال المفسرون : تعرض لما يطعمه ، لما ناله من الجوع ، ولم يصرح بالسؤال ؛ وأنزلت هنا بمعنى تنزل. وقال الزمخشري : وعدى باللام فقير ، لأنه ضمن معنى سائل وطالب. ويحتمل أن يريد ، أي فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين ، وهو النجاة من الظالمين ، لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة ، قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحا به وشكرا له. وقال الحسن : سأل الزيادة في العلم والحكمة ..
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) : في الكلام حذف ، والتقدير : فذهبتا إلى أبيهما من غير إبطاء في السقي ، وقصتا عليه أمر الذي سقى لهما ، فأمر إحداهما أن تدعوه له. (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما). قرأ ابن محيصن : فجاءته إحداهما ، بحذف الهمزة ، تخفيفا على غير قياس ، مثل : ويل امه في ويل أمه ، ويا با فلان ، والقياس أن يجعل بين بين ، وإحداهما مبهم. فقيل : الكبرى ، وقيل : كانتا توأمتين ، ولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار. وعلى استحياء : في موضع الحال ، أي مستحيية متحفزة. قال عمر بن الخطاب : قد سترت وجهها بكم درعها ؛ والجمهور : على أن الداعي أباهما هو شعيب عليهالسلام ، وهما ابنتاه. وقال الحسن : هو ابن أخي شعيب ، واسمه مروان. وقال أبو عبيدة : هارون. وقيل : هو رجل صالح ليس من شعيب ينسب. وقيل : كان عمهما صاحب الغنم ، وهو المزوج ، عبرت عنه بالأب ، إذ كان بمثابته. (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) ، في ذلك ما كان عليه شعيب من الإحسان والمكافأة لمن عمل له عملا ، وإن لم يقصد العالم المكافأة.
(فَلَمَّا جاءَهُ) : أي فذهب معهما إلى أبيهما ، وفي هذا دليل على اعتماد أخبار المرأة ، إذ ذهب معها موسى ، كما يعتمد على أخبارها في باب الرواية. (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) : أي ما جرى له من خروجه من مصر ، وسبب ذلك. (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : أي قبل الله دعاءك في قولك : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، أو أخبره بنجاته منهم ، فأنسه بقوله : (لا تَخَفْ) ، وقرب إليه طعاما ، فقال له موسى : إنا أهل بيت ، لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا ، فقال له شعيب : ليس هذا عوض السقي ، ولكن عادتي وعادة آبائي قري الضيف وإطعام الطعام ؛ فحينئذ أكل موسى عليهالسلام.
(قالَتْ إِحْداهُما) : أبهم القائلة ، وهي الذاهبة والقائلة والمتزوجة ، (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) : أي لرعي الغنم وسقيها. ووصفته بالقوة : لكونه رفع الصخرة عن البئر وحده ،