غيره وبينه ، لم نقل فيه : إن فيه تقديما وتأخيرا ، بل لو تأخر لم يكن اعتراضا. وأما كونه متعلقا بلا ريب ، فليس بالجيد ، لأن نفي الريب عنه مطلقا هو المقصود ، لأن المعنى : لا مدخل للريب فيه ، إنه تنزيل الله ، لأن موجب نفي الريب عنه موجود فيه ، وهو الإعجاز ، فهو أبعد شيء من الريب. وقولهم : (افْتَراهُ) ، كلام جاهل لم يمعن النظر ، أو جاحد مستيقن أنه من عند الله ، فقال ذلك حسدا ، أو حكما من الله عليه بالضلال. وقال الزمخشري : والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة ، كأنه قيل : لا ريب في ذلك ، أي في كونه منزلا من رب العالمين. ويشهد لوجاهته قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، لأن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين. وكذلك قوله : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، وما فيه من تقدير أنه من الله ، وهذا أسلوب صحيح محكم ، أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين ، وأن ذلك ما لا ريب فيه. ثم أضرب عن ذلك إلى قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل ، والهمزة إنكارا لقولهم وتعجبا منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات ، ثم أضرب عن الإنكار إلى الإثبات أنه الحق من ربك. انتهى ، وهو كلام فيه تكثير. وقال أبو عبيدة : أم يكون معناه : بل يقولون ، فهو خروج من حديث إلى حديث ؛ ومن ربك في موضع الحال ، أي كائنا من عند ربك ، وبه متعلق بلتنذر ، أو بمحذوف تقديره : أنزله لتنذر. والقوم هنا قريش والعرب ، وما نافية ، ومن نذير : من زائدة ، ونذير فاعل أتاهم.
أخبر تعالى أنه لم يبعث إليهم رسولا بخصوصيتهم قبل محمد صلىاللهعليهوسلم ، لا لهم ولا لآبائهم ، لكنهم كانوا متعبدين بملة إبراهيم وإسماعيل ، وما زالوا على ذلك إلى أن غير ذلك بعض رؤسائهم ، وعبدوا الأصنام وعم ذلك ، فهم مندرجون تحت قوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (١) ، أي شريعته ودينه ؛ والنذير ليس مخصوصا بمن باشر ، بل يكون نذيرا لمن باشره ، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير ، ولم يباشرهم نذير غير محمد صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن عباس ، ومقاتل : المعنى لم يأتهم في الفترة بين عيسى ومحمد ، عليهماالسلام.
وقال الزمخشري : (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، كقوله : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (٢) ، وذلك أن قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا قبل محمد صلىاللهعليهوسلم. فإن قلت : فإذا لم يأتهم نذير ، لم تقم عليهم حجة. قلت : أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا ،
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٤.
(٢) سورة يس : ٣٦ / ٦.