وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم ، لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان. انتهى. والذي ذهب إليه غير ما ذهب إليه المفسرون ، وذلك أنهم فهموا من قوله : (ما أَتاهُمْ) ، و (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) ، أن ما نافية ، وعندي أن ما موصولة ، والمعنى : لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم. (مِنْ نَذِيرٍ) : متعلق بأتاهم ، أي أتاهم على لسان نذير من قبلك. وكذلك (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (١) : أي العقاب الذي أنذره آباؤهم ، فما مفعولة في الموضعين ، وأنذر يتعدى إلى اثنين. قال تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) (٢) ، وهذا القول جار على ظواهر القرآن. قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٣) ، و (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) (٤) ، (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٥) ، (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) (٦).
ولما حكى تعالى عنهم أنهم يقولون : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم افتراه ورد عليهم ، اقتصر في ذكر ما جاء به القرآن على الإنذار ، وإن كان قد جاء له وللتبشير ليكون ذلك ردعا لهم ، ولأنه إذا ذكر الإنذار ، صار عند العاقل فكر فيما أنذر به ، فلعل ذلك الفكر يكون سببا لهدايته. و (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) : ترجية من رسول الله ، كما كان في قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٧) ، من موسى وهارون. قال الزمخشري : وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة. انتهى. يعني أنه عبر عن الإرادة بلفظ الترجي ، ومعناه : إرادة اهتدائهم ، وهذه نزغة اعتزالية ، لأنه عندهم أن يريد هداية العبد ، فلا يقع ما يريد ، ويقع ما يريد العبد ، تعالى الله عن ذلك. ولما بين تعالى أمر الرسالة ، ذكر ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل بذكر مبدأ العالم. وتقدم الكلام على (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) في الأعراف. (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) : أي إذا جاوزتموه إلى سواه فاتخذتموه ناصرا وشفيعا. (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) موجد هذا العالم ، فتعبدوه وترفضوا ما سواه؟
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، الأمر : واحد الأمور. قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، والضحاك : ينفذ الله قضاءه بجميع ما يشاؤه. (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) : أي يصعد ، خبر ذلك (فِي
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٦.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ١٣.
(٣) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٤.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ١٩.
(٥) سورة الإسراء : ١٧ / ١٥.
(٦) سورة القصص : ٢٨ / ٥٩.
(٧) سورة طه : ٢٠ / ٤٤.