التخيير ، فأشفقن أن يطلقن فقلن : يا رسول الله ، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت. وتقدم الكلام في معنى ترجي في قوله : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) (١) ، في سورة براءة. والظاهر أن الضمير في (مِنْهُنَ) عائد على أزواجه عليهالسلام ، والإرجاء : الإيواء. قال ابن عباس ، والحسن : في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك ، وإمساك من تشاء. وقالت فرقة : في تزوج من تشاء من الواهبات ، وتأخير من تشاء. وقال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك : وتقرر من شئت في القسمة لها ، وتؤخر عنك من شئت ، وتقلل لمن شئت ، وتكثر لمن شئت ، لا حرج عليك في ذلك ، فإذا علمن أن هذا حكم الله وقضاؤه ، زالت الإحنة والغيرة عنهن ورضين وقرت أعينهن ، وهذا مناسب لما روي في سبب هذه الآية المتقدم ذكره.
(وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) : أي ومن طلبتها من المعزولات ومن المفردات ، (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) في ردها وإيوائها إليك. ويجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله ، أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء ، لا جناح عليك. كما تقول : من لقيك ممن لم يلقك ، جميعهم لك شاكر ، تريد من لقيك ومن لم يلقك ، وفي هذا الوجه حذف المعطوف ، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب ، والراجح القول الأول. وقال الحسن : المعنى : من مات من نسائك اللواتي عندك ، أو خليت سبيلها ، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك ، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك. وقال الزمخشري : بمعنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء ، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء ، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت ، أو تترك من تشاء من أمتك وتتزوج من شئت. وعن الحسن : كان النبي ، صلىاللهعليهوسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها ، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض ، لأنه إما أن يطلق ، وأما أن يمسك. فإذا أمسك ضاجع ، أو ترك وقسم ، أو لم يقسم. وإذا طلق وعزل ، فإما أن يخلي المعزولة لا يتبعها ، أو يتبعها. وروي أنه أرجأ منهن : سودة ، وجويرية ، وصفية ، وميمونة ، وأم حبيبة. فكان يقسم لهن ما شاء كما شاء ، وكانت ممن أوى إليه : عائشة ، وحفصة ، وأم سملة ، وزينب ، أرجأ خمسا وأوى أربعا. وروي أنه كان يسوي بينهن مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة ، فإنها وهبت نفسها لعائشة وقالت : لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك. انتهى. ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن ،
__________________
(١) سورة براءة (التوبة) : ٩ / ١٠٦.