رابعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وهو على إضمار القول كقوله (يا أَهْلَ الْكِتابِ) ـ إلى قوله ـ (فَقَدْ جاءَكُمْ) (١) أي فقلنا قد جاءكم. وقول الشاعر :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
أي فقلنا قد جئنا وكذلك هذا أي فقلنا قد كذبوكم ، فإن كان المجيب الأصنام فالخطاب للكفار أي قد كذبتكم معبوداتكم من الأصنام بقولهم (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) وإن كان الخطاب للمعبودين من العقلاء عيسى والملائكة وعزير عليهمالسلام ، وهو الظاهر لتناسق الخطاب مع قوله (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ) أي كذبكم المعبودون (بِما تَقُولُونَ) أي بقولهم إنكم أضللتموهم ، وزعمهم أنكم أولياؤهم من دون الله. ومن قرأ (بِما تَقُولُونَ) بتاء الخطاب فالمعنى فيما تقولون أي (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ). وقيل : الخطاب للكفار العابدين أي كذبكم المعبودون بما تقولون من الجواب. (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) أو فيما تقولون أنتم من الافتراء عليهم خوطبوا على جهة التوبيخ والتقريع. وقيل : هو خطاب للمؤمنين في الدنيا أي قد كذبكم أيها المؤمنون الكفار في الدنيا فيما تقولونه من التوحيد والشرع. وقرأ الجمهور (بِما تَقُولُونَ) بالتاء من فوق. وأبو حيوة وابن الصلت عن قنبل بالياء من تحت.
وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة (فَما تَسْتَطِيعُونَ) بتاء الخطاب ، ويؤيد هذه القراءة أن الخطاب في (كَذَّبُوكُمْ) للكفار العابدين. وذكر عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرآ بما يقولون فما يستطيعون بالياء فيهما أي هم. (صَرْفاً) أي صرف العذاب أو توبة أو حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال ، هذا إن كان الخطاب في (كَذَّبُوكُمْ) للكفار فالتاء جارية على ذلك ، والياء التفات وإن كان للمعبودين فالتاء التفات. والياء جارية على ضمير (كَذَّبُوكُمْ) المرفوع وإن كان الخطاب للمؤمنين أمّة الرسول عليهالسلام في قوله (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) فالمعنى أنهم شديد والشكيمة في التكذيب (فَما تَسْتَطِيعُونَ) أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك. وبالياء فما يستطيعون (صَرْفاً) لأنفسهم عما هم عليه. أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه. (وَلا نَصْراً) لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذيبهم.
(وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) الظاهر أنه عام. وقيل : خطاب للمؤمنين. وقيل : خطاب
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١٥.