الأوس ، فبينما هم في ذلك إذ صرخ الشيطان يقول : يا أهل الجباجب ، وهي المنازل ، هل لكم في الصباة (١) قد اجتمعوا على حربكم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا أزب العقبة لأفرغن لك أي عدو الله ، ارجعوا إلى رحالكم ، نصركم الله ، فقال له العباس بن عبادة بن نضلة : والذي بعثك بالحق نبيا لئن شئت لنميلن بأسيافنا غدا علي مني ، فقال له : لم أومر بذلك ، ثم ذكر قصة كلام قريش في ذلك وحلف مشركي قومهم لهم عن ذلك ، قال : ثم إنهم قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتخرج معنا؟ قال : ما أمرت به.
قال رزين : وقد قيل إنه وقع بين قريش والأنصار كلام في سبب خروج النبي صلىاللهعليهوسلم معهم ، ثم ألقي الرعب في قلوب قريش فقالوا : ليس يخرج معكم إلا في بعض أشهر السنة ، ولا يتحدث العرب بأنكم غلبتمونا ، فقالت الأنصار : الأمر في ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن سامعون لأمره ، فأنزل الله على رسوله (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) [الأنفال : ٦٢] أي : إن كان كفار قريش يريدون المكر بك فسيمكر الله بهم ، فانصرفت الأنصار إلى المدينة.
وقيل : إن قريشا بدا لهم فخرجوا في آثارهم ، فأدركوا منهم رجلين كانا تخلفا في أمر ، فردوهما إلى مكة : المنذر ، وعباس بن عبادة ، فأدركهما جبير بن مطعم والحارث بن أمية ، فخلصاهما ولحقا أصحابهما.
قلت : والذي ذكره غيره أن الرجلين هما المنذر وسعد بن عبادة ، فأما المنذر فأعجز القوم ونجا ، وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته ، وكان ذا شعر كثير ، ثم خلصه منهم جبير بن مطعم والحارث بن أمية ؛ لأنه كان يجير لهما تجارهما ويمنعهم أن يظلموا ببلده.
إسلام عمرو بن الجموح
وذكر رزين عقب ما تقدم عنه إسلام عمرو بن الجموح كما ذكره أهل السير عقب ذلك أيضا ، وكان عمرو شيخا كيرا من سادات بني سلمة ، وشهد معاذ ابنه العقبة ، وكان لعمرو في داره صنم من خشب يعبده يدعى مناة ، فكان معاذ ابنه ومعاذ بن جبل وفتيان بني سلمة يدلجون بالليل على صنم عمرو فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه ، فإذا أصبح قال عمرو : من عدا على إلهنا هذه الليلة؟ ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذ وجده غسله وطيبه ثم يقول : والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزيته ، فتكرر ذلك ، فطهره يوما وطيبه ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال : إني والله لا أعلم من يصنع بك
__________________
(١) الصباة : الخارجون عن دينهم. مفردها : صابئ.