وذكر يحيى في رواية أخرى أنه صلىاللهعليهوسلم بعد أن سار من بني سالم تيامن ، فأتى منزل ابن أبي ، ثم مضى في الطريق والطريق يومئذ فضاء حتى انتهى إلى سعد بن عبادة ، ثم اعترضت له بنو بياضة عن يساره ، ثم مضى حتى أتي بني عدي بن النجار ، ثم أتى إلى بني مازن بن النجار ، فقامت إليه وجوههم ، ثم مضى حتى انتهى إلى باب المسجد وقد حشدت (١) بنو مالك بن النجار فهم قيام ينتظرونه إلى أن طلع فهش إليه أسعد بن زرارة وأبو أيوب وعمارة بن حزم وحارثة بن النعمان يقول : يا رسول الله قد علمت الخزرج أنه ليس ربع أوسع من ربعي ، قال : فبركت بين أظهرهم ، فاستبشروا ، ثم نهضت كأنها مذعورة ترجّع الحنين (٢) ، فساءهم ذلك ، وجعلوا يعدون بجنبها حتى أتت إلى زقاق الحبشي ببئر جمل فبركت والنبي صلىاللهعليهوسلم عليها مرخ لها زمامها ثم قامت عودها على بدئها تزيد في المشي حتى بركت على باب المسجد وضربت بجرانها وعدلت ثفناتها (٣) ، وجاء أبو أيوب والقوم يكلمونه في النزول عليهم ، فأخذ رحله فأدخله ، فنظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى رحله وقد حط فقال : «المرء مع رحله».
وذكر رزين اعتراض بني سالم له وقوله «خلوا سبيلها فإنها مأمورة» ثم قال : فمر ببني بياضة فكذلك ، ثم ببني ساعدة فكذلك ، ثم بدار بني الحارث بن الخزرج فكذلك ، ثم مر بدار عدي بن النجار فكذلك ، فمضت حتى إذا أتت دار بني مالك بن المجار بركت على باب المسجد اليوم ، ولم ينزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين بركت ، ثم وثبت فسارت غير بعيد ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها الأول ، فنزل إذا ذاك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أي الدور أقرب؟ فقال أبو أيوب : داري ، هذا بابي ، وقد حططنا رحلك فيها ، فقال : «المرء مع رحله» فمضت مثلا.
وروى ابن زبالة أنها لما بركت بباب أبي أيوب جعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد أن ينزل فتحلحل فيطيف حولها أبو أيوب فيجد جبار بن صخر أخا بني سلمة ينخسها برجله ، فقال أبو أيوب : يا جبار عن منزلي تنخسها؟ أما والذي بعثه بالحق لو لا الإسلام لضربتك بالسيف ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في منزل أبي أيوب ، وقر قراره ، واطمأنت داره ، ونزل معه زيد بن حارثة.
وعند الحاكم عن أنس : جاءت الأنصار فقالوا : إلينا يا رسول الله ، فقال : دعوا الناقة فإنها مأمورة ، فبركت على باب أبي أيوب.
__________________
(١) احتشد القوم : اجتمع القوم.
(٢) ترجع الحنين : عادت ومدّت صوتها.
(٣) الثفنة : الركبة. و ـ الجزء من جسم الدابة تلقى به الأرض فيغلظ ويجمد.