بقية السرح وأخذت بأعناق القوم ، فقال له صلىاللهعليهوسلم : إنهم ليقرون في غطفان ، فقسم صلىاللهعليهوسلم في أصحابه في كل مائة جزورا ، وأقاموا عليها ، ثم رجع ، وأفلتت امرأة الغفاري على ناقة من اللقاح حتى قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته الخبر ، وقالت : إني نذرت لله أن أنحرها إن أنجاني الله عليها ، فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : بئس ما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ، إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، هذه رواية ابن إسحاق ، وقد ذكر فيها قتل اثنين من المسلمين.
وخرّج مسلم القصة عن سلمة مطولة ومختصرة ، وخالف ما ذكره ابن إسحاق في مواضع : منها أنها كانت بعد انصرافه صلىاللهعليهوسلم من الحديبية ، وجعلها ابن إسحاق قبلها ، ومنها : أن فيه أن اللقاح كانت ترعى بذي قرد ، وكذا هو في البخاري ، وقال ابن إسحاق : بالغابة ، وكذا هو في حديث سلمة الطويل ، ولهذا قال عياض : إن الأول غلط ، ويمكن الجمع بأنها كانت ترعى تارة هنا وتارة هناك ، ومنها : أنه قال فيه : خرجت قبل أن يؤذن بالأولى فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال : أخذت لقاح رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصرخت ثلاث صرخات : يا صباحاه ، فأسمعت ما بين لابتي المدينة ، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا بذي قرد يسقون من الماء ، وفي رواية لمسلم ما يقتضي أن سلمة كان مع السرح (١) لما أغير عليه ، وأنه قام على أكمة (٢) وصاح : يا صباحاه ، ثلاثا ، وهذا يرجح أن السرح كان بالغابة ، ويبعد كونه بذي قرد ، ولو كان بذي قرد لما أمكنه لحوقهم ، ومنها : أن فيه أنه استنقذ سرح رسول الله صلىاللهعليهوسلم بجملته ، ومنها : أنه قال فيه : فرجعنا إلى المدينة ، فو الله ما لبثنا بها إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال القرطبي : لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية ، انتهى.
وما في الصحيح من التاريخ لها أصح مما في السير ، ويمكن الجمع بتكرر الواقعة ، ويؤيده أن الحاكم ذكر في الإكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر ؛ ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد ، وفي الثانية خرج إليها النبي صلىاللهعليهوسلم في ربيع الآخر سنة خمس ، والتالية هي المختلف فيها ، انتهى. والله أعلم.
ثم كانت قصة العرنيين.
قصة العرنيين
قلت : وذلك أن ثمانية منهم ، وفي رواية من عكل ، قدموا فأسلموا واجتووا (٣)
__________________
(١) السّرح : ما يغدى به ويراح. و ـ الماشية.
(٢) الأكمة : التل المرتفع.
(٣) اجتووا المدينة : لم يوافقهم هواءها واستوبئوه.