المنبر والدرابزين اليوم مقدار أربعة أذرع وربع ذراع ، والمنبر لم يغير من جهة القبلة ، وكذا المصلى الشريف ، انتهى. فلم يعتبر الذرع من الدرابزينات.
وقد اختبرت أنا ذلك بنفسي من الدرابزينات المذكورة إلى الحجرين المذكورين فكان سبعين ذراعا بذراع اليد المتقدم ذكره ، وقد قال ابن جماعة : إنه اختبر ذلك بذراع العمل فكان ستة وأربعين ذراعا وثلثي ذراع ؛ فهو موافق لذرعنا ، بل يرجح قليلا ؛ لأن ذراع العمل ذراع ونصف راجح من ذراع اليد.
وأما ما ذكره المراغي في كتابه من الذرع فغير موافق لذرعنا ؛ لأنه اعتمد في ذلك كما صرح به على ذراع المدينة الشريفة اليوم ، وقد اختبرته فوجدته يزيد على ذراع اليد الذي حررناه بأكثر من قيراط ، وقول المطري : «إن بين المنبر والدرابزين اليوم مقدار أربعة أذرع وربع» مخالف لما اختبرناه ؛ فإن بينهما ثلاثة أذرع ونصف بالذراع الذي حررناه ، لكن سيأتي أن المنبر اليوم ليس هو ذلك ، وأنه قد اتضح لنا عند الحفر لتأسيس المنبر الرخام الآتي ذكره صحة ما قاله المطري ، وأن المنبر الذي أدركناه قدّم عن محل المنبر الأصلي لجهة القبلة أزيد من نصف ذراع ، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر ابن زبالة ويحيى من طريقه نقلا عن غير واحد من أهل العلم تحديد المسجد الشريف من هذه الجهة فقالا : وعلامته في القبلة حروف المرمر الذي المنبر وسطه ، وعلامته من الشام أربعة طيقان من ناحية المشرق والمغرب ، وعلامة الطيفان الأربع أنهن مخضرات الأجواف بالفسيفساء كلهن.
قلت : والمرمر اليوم لا يظهر منه شيء. لكن يؤخذ من كلام ابن زبالة في وصف هذا المرمر أنه كان دكة مرتفعة حول المنبر قدر الذراع ، وأنه ممتد من المغرب قدر ثلاثة أذرع ، ومن المشرق ثلاثة ، ومن القبلة ثلاثة ، فإنه قال : حدثني محمد بن إسماعيل قال : رأيت طنفسة (١) كانت لعبد الله بن حسن بن حسن تطرح قبالة المنبر على مرمر كان هناك ، قال : فحبس عبد الله بن حسن سنة أربعين ومائة ، وبقيت الطنفسة بعده أياما ، ثم رفعت ، قال : ثم إن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي رضياللهعنهم لما ولي المدينة سنة خمسين ومائة في خلافة أبي جعفر نقض المرمر ووسعه من جوانبه كلها حتى ألحقه بالسواري ، فكلمه أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان أن يدع له مصلاه فتركه ولم يلحق المرمر بالأساطين المقدمة ؛ فالمرمر اليوم هو الذي عمل الحسن بن زيد ، والمرمر الذي حول المنبر المرتفع عن المرمر الذي عمل الحسن بن زيد بين ستة أساطين ثلاثة أذرع من قبل القبلة وثلاثة أذرع من قبل المشرق وثلاثة أذرع من قبل المغرب ، وهو مرتفع عن الأرض نحوا من ذراع ، انتهى.
__________________
(١) الطنفسة : النمرقة فوق الرّحل. و ـ البساط.