في حديث مسلم : «وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى» لأن ذلك هو البريد أي : ستة أميال من جهة قبلتها ، وستة أميال من جهة شاميها ، وكذلك في المشرق والمغرب ، ومثله حديث «حمى كل ناحية من المدينة بريدا» أي من القبلة إلى الشمال بريدا ، ومن المشرق إلى المغرب بريدا ، وقد أخذ بذلك مالك رحمهالله ، لكن فرّق بين حرم الشجر وحرم الصيد ، وجعل البريد حرم الشجر ، وما بين اللابتين حرم الصيد.
قال عياض في الإكمال : قال ابن حبيب : تحريم ما بين اللابتين مخصوص بالصيد ، قال : وأما قطع الشجر فبريد في دور المدينة كلها ، بذلك أخبرني مطرف عن مالك ، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب ، انتهى. وحكى الباجي في المنتقى مثله عن ابن نافع ، ونقل ابن زبالة عن مالك أنه قال : الحرم حرمان ؛ فحرم الطير والوحش من حرة واقم ـ أي : وهي الحرة الشرقية ـ إلى حرة العقيق ـ أي وهي الغربية ـ وحرم الشجر بريد في بريد ، وقال البرهان بن فرحون : حرم الصيد ما بين حرارها الأربع ، وسماهما أربعا لوجود الحرتين المذكورتين في الجهات الأربع ؛ لانعطاف بعض الشرقية والغربية من جهة الشمال والقبلة ، ولم يعول أصحابنا في تحديد الحرم على البريد مع ما فيه من الزيادة ؛ لأن أدلته ليست بالقوية ، فعولوا على ما اشتملت عليه الأحاديث الصحيحة من الجبلين واللابتين ، على أن إطلاق أحاديث التحريم مقتض لعدم الفرق بين حرم الشجر وحرم الصيد ، سواء كان الحرم بريدا أو دونه ، غير أن في أحاديث البريد ما يشعر بأنه للشجر ، مع أن ابن زبالة ـ ومحله من الضعف معلوم ـ روي عن ابن بشير المازني أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرّم ما بين لابتيها ـ يعني : المدينة ـ من الصيد ، وعن أبي هريرة وغيره نحوه ، وفي رواية له «من الطير أن يصاد بها» وقد يقال : هو من باب إفراد فرد مما حرم بالذكر.
فإن قيل : قوله في حديث مسلم : «حرم ما بين لابتيها ، وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى» دال على الفرق المذكور.
قلنا : ممنوع ؛ لأن غايته أن يراد بالحمى الحرم ، فكأنه قال : وجعل اثني عشر ميلا حولها حرما ؛ إذ ليس فيه أنه جعله حمى الشجر.
مقدار البريد والفرسخ والميل
تتمة : البريد أربع فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع اليد على الأصح ، كما صححه ابن عبد البر وغيره ، وهو الموافق لاختيار ما ذكره من المسافات في الحرم المكي وغيره ، وذراع اليد ـ على ما ذكره المحب الطبراني والنووي وغيرهما ـ أربعة وعشرون أصبعا ، كل أصبع ست شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض ، وغلط النووي القلعي في قوله «ثلاث شعيرات» ومقدار الذراع المذكور من ذراع