الغزالي في البسيط والوسيط في حرم مكة : إنه لو قطع منه للحاجة التي يقطع لها الإذخر (١) كتسقيف البيوت ونحوه ففيه الخلاف في قطعه للدواء : أي : والأصح جوازه ، وتبعه على ذلك صاحب الحاوي الصغير ؛ فجوز القطع للحاجة مطلقا ، ولم يخص الدواء ، وقل من تعرض للمسألة ، ومنه يؤخذ جواز ما استثناه المطري ، لكن مع استواء الحرمين في ذلك. وقال القاضي عياض : قال المهلب : قطع النبي صلىاللهعليهوسلم النخل من المدينة حين بنى مسجده ، وذلك يدل على أن النهي لا يتوجه لقطع شجرها للعمارة وجهة الإصلاح ، وأن يقطع شجرها ليتخذ موضعه جنانا وعمارة ، وأن توجه النهي إنما هو لقطع الإفساد واستبقاء بهجة المدينة وخضرتها في عين الوارد إليها ، انتهى. ونحوه ما روى ابن زبالة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لبني حارثة في طرف من الحمى «أعطيكم على أنه من قطع شجرة غرس مكانها نخلة» ومحل ابن زبالة من الضعف معروف ، والنبي صلىاللهعليهوسلم إنما قطع النخل وهو شجر يستنبته الآدميون ، وفيه خلاف ؛ فالذي ذهب إليه المالكية والحنفية جواز قطعه في حرم مكة فضلا عن المدينة ، وهو أحد القولين عندنا ، لكن الأصح إلحاقه بالذي ينبت بنفسه ، والجواب عنه باحتمال كونه قبل تحريم المدينة ، أو أنه قطعه لحاجة العمارة ؛ فإن المتجه جوازه كما تقدم عن الغزالي ، ولم يزل أهل المدينة يسقفون بيوتهم بما يقطعون من نخلها. وقد نقل الواقدي في الحرم المكي عن ابن الزبير الترخيص في قطع شجر الحرم المكي للعمارة لكن مع الفداء ، على أن الماوردي قال فيما يستنبته الآدميون : محل الخلاف فيما أنبت في موات الحرم ، فإن أنبته في أملاكه لم يحرم بلا خلاف ، انتهى. وأما ما يستنبت من غير الشجر كالحنطة والخضروات فيجوز قطعه بلا خلاف ، وكذا ما يتغذى به مما ينبت بنفسه كالرجلة المسماة بالبقلة الحمقاء ونحو ذلك ؛ لأنه في معنى الزرع ، صرح باستثنائه المحب الطبري في شرح التنبيه ، وهو ظاهر ؛ لأنه إذا جاز الأخذ لإطعام البهائم فالآدمي أولى.
الثالثة : ما ذكروه في الأخذ للدواء ونحوه يتناول تحصيله وادخاره لذلك الغرض ، وإن لم يكن السبب قائما ، إلا أن عبارة الروضة : ولو احتيج إلى شيء من نبات الحرم للدواء. وفي شرح المهذب أنه يجوز أخذ النبات للعلف ، ولو أخذه ليبيعه ممن يعلف به لم يجز ، ومقتضاه أن الدواء كذلك ، وظاهر إطلاق الماوردي الجواز مطلقا ، وهو ظاهر استناد بعضهم إلى نقل السنا المكي من غير نكير.
دية القتل الخطأ في المدينة مغلظة
الرابعة : تغلّظ الدية في الخطأ على القاتل في حرم المدينة كمكة في وجه الصحيح خلافه ، ومأخذه عموم قوله «كما حرم إبراهيم مكة».
__________________
(١) الإذخر : حشيشة تسقف بها البيوت فوق الخشب ولها رائحة طيبة.