ووجه الدلالة على المطلوب ؛ أنّ ذكر الله سبحانه لهذه الصدقة الخاصّة ، وبشارته لأجلها ـ مع قلّتها وكثرة المتصدّقين بنحوها وأضعافها ـ ، أقوى دليل على فضله على غيره بالمعرفة والإخلاص ؛ فيكون أتقى الناس ، وأفضلهم ، وأولادهم بالإمامة.
هذا ، ونقل الزمخشري عن بعضهم ، أنّها نزلت في أبي بكر ، حيث تصدّق بأربعين ألف دينار ، عشرة بالليل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة في السرّ ، وعشرة في العلانية (١)!
ولا أدري ، أ أعجب من تخيّل القائل أنّ مدار الفضل على الكثرة دون الإخلاص ، حتّى نسب لأبي بكر الصدقة بهذا المقدار ، ليعارض صدقة أمير المؤمنين عليهالسلام ويفوقها؟!
أم أعجب من إرادته إثبات منقبة هي بالمنقصة أشبه ؛ إذ لا يجتمع هذا المال مع ضعف المسلمين إلّا من نهاية الإمساك؟!
أم أعجب من دعوى وجود هذا المال عند أبي بكر ، البالغ أربعمئة ألف درهم ، وهو كان معلّما للصبيان في الجاهلية ، وخيّاطا في الإسلام (٢) ، ولم يكن قسمه من الغنائم إلّا كواحد من المسلمين ، وقد كان ماله عند الهجرة خمسة آلاف درهم أو ستّة آلاف ، كما رواه الحاكم عن ابنته أسماء (٣) ، ورواه أحمد عنها في مسنده (٤) ، فمن أين اجتمع له ذلك
__________________
(١) تفسير الكشّاف ١ / ٣٩٨.
(٢) انظر : الصوارم المهرقة : ٣٢٤ عن صحيح البخاري ، مصنّف ابن أبي شيبة ١ / ٣٢٦ ب ٦٨ ح ٩ ، وراجع الصفحة ٦٠ ه ٤ من هذا الجزء.
(٣) ص ٥ من الجزء الثالث من المستدرك [ ٣ / ٦ ح ٤٢٦٧ ]. منه قدسسره.
وانظر : البداية والنهاية ٣ / ١٤١.
(٤) ص ٣٥٠ من الجزء السادس. منه قدسسره.