ودعوى الفرق ـ بأنّ التناسخ مبنيّ على دعوى نسيان ما مارسته كثيرا ، وبقيت فيه دهرا طويلا ، وهو محال جزما ، بخلاف أخذ الميثاق ، فإنّه لم يطل وقته ، ولا يمتنع عادة في مثله أن يتعلّق النسيان ـ باطلة ؛ لأنّ نسيان الناس كلّهم ما وقع منهم ، وإنّ لم يطل وقته أيضا محال عادة (١).
ومنها : إنّ أخذ الميثاق على الذرّ إن كان ليصير حجّة عليهم في ذلك الوقت ، فباطل ؛ لأنّه ليس وقت تكليف بالإجماع ، وإن كان ليصير عليهم حجّة بعد البلوغ ، أو يوم القيامة ، فالمفروض عدم تذكّر أحد له (٢).
وأجاب الرازي : بأنّه يمكن أن يكون أخذ الميثاق ليميّز الملائكة في ذلك الوقت السعيد من الشقي (٣).
ويردّه : إنّ الآية قالت : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ) (٤) ، وهو يدلّ على أنّ الفائدة في أخذ الميثاق عليهم ، هو كونه حجّة عليهم ، لا تمييز الملائكة بين السعيد والشقي.
على أنّ التمييز إن كان بنقض العهد وحفظه ، فهما في هذه الحياة الفعلية لا حين أخذ الميثاق ، وإن كان بالبياض والسواد ، كان أخذ الميثاق لغوا ، فيبطل جعل التمييز فائدة لأخذ الميثاق.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الله سبحانه كما أرى الملائكة أخذ الميثاق على الناس في عالم الذرّ ، يمكن أن يكون أراهم أيضا كيف ينقضون العهد أو يحفظونه في الحياة الدنيوية ، فيكون التمييز فائدة لأخذ الميثاق بما يقترن
__________________
(١) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٥١ الحجّة الرابعة.
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٥٢ الحجّة السابعة.
(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٥٥.
(٤) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢.