مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى)(١) قال : جاء حزبيل بن نوحابيل (٢) وكان خازن فرعون وكان مؤمنا يكتم إيمانه مائة سنة ، وكان هو حاضر فرعون حتى ائتمروا في قتل موسى ، قال : فخرج ، فأخذ طريقا آخر ، فأخبر موسى بما ائتمروا من قتله ، وأمره بالخروج وقال له : (إِنِّي لَكَ مِنَ)(٣)(النَّاصِحِينَ) ، فخرج موسى على وجهه ، فمرّ براعي (٤) ، فألقى عليه كسوته ، وأخذ منه جبة من صوف بغير حذاء ، ولا رداء ، (فَخَرَجَ) فمضى (خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(٥) ، يقول : يخاف فرعون ، وهو يتجسس الأخبار ولا يدري أين يتوجه ، ولا يعرف الطريق إلّا حسن ظنه بربه ، فذلك قوله : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ)(٦) يعني الطريق إلى المدينة للذي قضى عليه ، وما هو كائن من أمره ، فخرج نحو مدين بغير زاد ، (قالَ : رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٧) ليس معه زاد ولا ظهر ، قال : فتعسّف الطريق يأخذ يمينا وشمالا ، لا يأكل النبت من الأرض وورق الشجر حتى تشقق شدقاه (٨) ، وكان يرى خضرة النبت بين جلده وأمعائه ، فأصابه الجهد والجوع ، حتى وقع إلى مدين ، فذلك قول الله عزوجل : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ)(٩) قال ابن عبّاس : ... (١٠) على ماء مدين (١١)(وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) أنعامهم ، وكانوا أصحاب نعم وشاء ، (وَوَجَدَ مِنْ) دون القوم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) غنمهما (١٢) عن الماء وهما ابنتا يثروب ـ وهو بالعربية شعيب ـ ويقال بالعبرانية : يثروب أيضا ، قال : فقال لهما موسى : (ما خَطْبُكُما؟) يقول : ما شأنكما معتزلتين بغنمكما دون القوم لا تسقيان مع الناس؟ (قالَتا : لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) ونحن بعد كما ترى امرأتين ضعيفتين لا نستطيع أن نزاحم الرجال ، (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ)(١٣) لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، وليس
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٢٠.
(٢) في تفسير القرطبي قال : قال أكثر أهل التفسير هذا الرجل هو حزقيل بن صبورا مؤمن آل فرعون ، وهو ابن عم فرعون. وقال السهيلي : هو طالوت ، وقال المهدوي عن قتادة : اسمه شمعون وقيل شمعان.
(٣) الأصل ود ، و «ز» ، وم : «لمن».
(٤) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم بإثبات الياء.
(٥) سورة القصص ، الآية : ٢١.
(٦) سورة القصص ، الآية : ٢٢.
(٧) سورة القصص ، الآية : ٢١.
(٨) في م : شفتاه ، وعلى هامشها : شدقاه ، وبعدها صح.
(٩) سورة القصص ، الآية : ٢٣.
(١٠) بياض بالأصل وم ، و «ز» ، وقد تقرأ في د : «هجم» ولكني غير مطمئن إلى ذلك.
(١١) مدين : كانت بئرا يستقون منها ، ومدين هي المدينة التي أهلك فيها أصحاب الأيكة ، قوم شعيب عليهالسلام راجع البداية والنهاية ١ / ٢٨٠.
(١٢) في د : «عنهما» وفي م ، و «ز» كالأصل «غنمهما».
(١٣) سورة القصص ، الآية : ٢٣.