يوما ، فجرى ذكر هذين البيتين لابن الأحنف إما لإنشاد وإما لغناء ؛ فقلت أنا كالعابث : لست أشكّ أن أبا سعيد يعرف أصل هذا الفرع ، فإنه معنى مليح ؛ فنظر إليّ نظر تمقّت ولم يجبني ؛ فقال له جعفر : ألهذا أوّل قبل العباس؟ فقال : أوّله عندي قول النابغة :
لا مرحبا بغد ولا أهلا به |
|
إن كان تفريق الأحبّة في غد (١) |
وآخر من أتى به أبو إسحاق يعقوب بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التّيميّ (٢) وكان متهتّكا في حداثته حتى لقّب فرّوج الزّنا ، ثم نسك وأناب ـ فقال له جعفر : فماذا قال؟ : فأنشد له :
نجمت نجومي أمس ، طالعها |
|
سعد ، ونجمي اليوم ذو نحس |
يا ليت ربّي مدّ أمس لنا |
|
أبدا ، وكان اليوم ذا حبس! |
هذاك جمّعنا وفرّق ذا |
|
شتّان بين اليوم والأمس! |
بينا تراني في نعميم هوى |
|
أرجو تأخّر غيبة الشمس |
عجل المساء له ففارقني |
|
فيه أعزّ عليّ من نفسي |
قال : فأمر له جعفر بألف دينار ، وخرج الأصمعيّ ، فقال لي جعفر : يا إسحاق ، أفي المنام ترى (٣) ما جرى! أظننت أن مثل الأصمعيّ يكون في الدنيا! ثم حدّث الرشيد بذلك ، فوصله بألف دينار ، فأخذ بكلمتين ألفي دينار.
ولم يحك الأصمعيّ ولا صاحباه عن الخليل شيئا من اللّغة ، لأنه لم يكن فيها مثلهم ، ولكنّ الأصمعيّ قد حكى عنه حكايات ؛ وكان الخليل أسنّ منه.
فممّا حكى الأصمعيّ عن الخليل ما حدّثنا به عبد العزيز بن سلامة قال : أخبرنا محمد بن الرياشيّ قال : حدّثنا أبي عن الأصمعيّ قال : سمعت الخليل يقول : إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره.
وأخبرنا محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا قعنب بن محرّر عن الأصمعيّ قال : سألت الخليل بن أحمد عن اللؤلؤ في النوم ـ وكان
__________________
(١) ديوان ٢٨.
(٢) ذكره المرزبان في المعجم ٥٠٤ وقال : «قدم بغداد ومدح المهدي».
(٣) خ : «يا إسحاق ، في المنام ترى».