يصلح أن يكون إماماً للمسلمين والّذين غابوا لا حجّة لهم علينا ، وفي هذا أدلَّ دليل على أنَّ معنى قول النبيّ صلىاللهعليهوآله « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي » ليس ما يسبق إلى قلوب الاماميّة والزّيديّة. وللنظّام (١) وأصحابه أن يقولوا : وجدنا الّذي لا يفارق الكتاب هو الخبر القاطع للعذر ، فانّه ظاهر كظهور الكتاب يُنتفع به ، ويمكن اتّباعه والتمسّك به.
فأمّا العترة فلسنا نشاهد منهم عالما يمكن أن نقتدي به ، وإن بلغنا عن واحد منهم مذهب بلغنا عن آخر أنَّه يخالفه ، الاقتداء بالمختلفين فاسد ، فكيف يقول صاحب الكتاب؟.
ثم اعلم أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا أمرنا بالتمسّك بالعترة كان بالعقل والتعارف والسّيرة ما يدلُّ على أنَّه أراد علماءهم دون جهّالهم ، والبررة الاتقياء دون غيرهم ، فالذي يجب علينا ويلزمنا أن ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدِّين مع العقل والفضل والحلم والزُّهد في الدُّنيا والاستقلال بالامر فنقتدي به ونتمسّك بالكتاب وبه.
وإن قال : فإنَّ اجتمع ذلك في رجلين وكان أحدهما ممّن يذهب إلى مذهب الزّيديّة والاخر إلى مذهب الاماميّة بمن يقتدى منهما ولمن يتّبع؟ قلنا له : هذا لا يتّفق ، فإنَّ اتّفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدَّمه وإمّا شيء يظهر في علمه كما ظهر في أمير المؤمنين يوم النهر حين قال : « والله ما عبروا النهر ولا يعبروا ، والله ما يقتل منكم عشرة ولا ينجوا منهم عشرة » وإمّا أن يظهر من أحدهما مذهب يدلُّ على أنَّ الاقتداء به لا يجوز كما ظهر من علم الزّيديّة القول بالاجتهاد والقياس في الفرائض السمعيّة والاحكام فيعلم بهذا أنّهم غير أئمة. ولست اريد بهذا القول زيد ابن عليٍّ وأشباهه لأنّ اولئك لم يظهروا ما ينكر ولا ادَّعوا أنّهم أئمّة وإنّما
__________________
(١) هو أبو إسحاق ابراهيم بن سيار بن هانيء البصري ابن اخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة. وكان النظام صاحب المعرفة بالكلام أحد رؤساء المعتزلة ، استاد الجاحظ. ولقب بالنظام ـ كشداد ـ لأنّه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها. وقالت المعتزلة : إنّما سمى ذلك لحسن كلامه نثراً ونظماً (الكنى والالقاب للمحدث القمي).