العقول صورة ثابتة ، وبالخليفة يستدلُّ على المستخلف كما جرت به العادة في العامة والخاصة ، وفي المتعارف متى استخلف ملك ظالماً استدلَّ بظلم خليفته على ظلم مستخلفه وإذا كان عادلاً استدل بعدله على عدل مستخلفه ، فثبت أنَّ خلافة الله توجب العصمة ولا يكون الخليفة إلّا معصوماً.
ولمّا استخلف الله عزّ وجلّ آدم في الأرض أوجب على أهل السماوات الطاعة له فكيف الظنُّ بأهل الأرض ، ولمّا أوجب الله عزّ وجلّ على الخلق الايمان بملائكة الله وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله ، ثمَّ لمّا امتنع ممتنع من الجنِّ عن السّجود له أحلَّ به الذل والصغار والدِّمار ، وأخزاه ولعنه إلى يوم القيامة ، علمنا بذلك رتبة الامام وفضله ، وانَّ الله تبارك وتعالى لمّا أعلم الملائكة أنّه جاعل في الأرض خليفة أشهدهم على ذلك لان العلم شهادة فلزم من ادَّعى أنَّ الخلق يختار الخليفة أن تشهد ملائكة الله كلّهم عن آخرهم عليه ، والشهادة العظيمة تدلُّ على الخطب العظيم كما جرت به العادة في الشاهد فكيف وأنّى ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائكة الله أوّلهم وآخرهم ، وكيف وأنى يعذّب صاحب النصِّ وقد شهدت له ملائكة الله كلهم.
وله وجه آخر وهو أنَّ القضية في الخليفة باقية إلى يوم القيامة ، ومن زعم أنّ الخليفة أراد به النبوَّة فقد أخطأ من وجه ، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ وعد أن يستخلف من هذه الاُمّة (الفاضلة) خلفاء راشدين كما قال جلَّ وتقدَّس : « وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا » (١) ولو كانت قضية الخلافة قضية النبوّة أوجب حكم الاية أن يبعث الله عزّ وجلّ نبيا بعد محمّد صلىاللهعليهوآله وما صح قوله : « وخاتم النبيّين » (٢) فثبت
__________________
(١) النور : ٥٥.
(٢) الاحزاب : ٤٠.