به وبعترته الائمّة بعده (١) صلوات الله عليهم ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه حوضه ، وإنَّ اعتصام المسلمين بهما على المحجَّة الواضحة (٢) ، والطريقة المستقيمة ، والحنيفيّة البيضاء التي ليلها كنهارها ، وباطنها كظاهرها ، ولم يدع أمّته في شبهة ولا عمى من أمره ، ولم يدخر عنهم دلالة ولا نصيحة ولاهداية ، ولم يدع برهاناً ولا حجّة إلّا أوضح سبيلها وأقام لهم دليلها لئلا يكون للنّاس على الله حجة بعد الرُّسل ، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بيّنة.
وأشهد أنّه ليس بمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، وأنَّ الله يخلق من يشاء ويختار ، وأنّهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم ، ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضاه ويسلّموا تسليماً ، وإنَّ من حرَّم حلالاً ومن حلّل حراماً ، أو غيّر سنّةً ، أو نقصّ فريضة ، أو بدلّ شريعة ، أو أحدث بدعة يريد أن يُتّبع عليها ويصرف وجوه النّاس إليها فقد أقام نفسه لله شريكاً ، ومن أطاعه فقد ادعى مع الله ربّاً ، وباء بغضب من الله ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين ، وحبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين. وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
قال الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيِّ مصنف هذا الكتاب ـ أعانه الله على طاعته ـ : إنَّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا : أنّي لمّا قضيت وطري من زيارة عليِّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلىَّ نيسابور وأقمت بها ، فوجدت أكثر المختلفين إليَّ (٣) من الشيعة قد حيّرتهم الغيبة ، ودخلت عليهم في أمر القائم عليهالسلام الشبهة ، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الاراء والمقائيس ، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقِّ وردِّهم إلى الصواب بالاخبار الواردة في ذلك عن النبيِّ والائمّة صلوات الله عليهم ، حتّى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قمّ ، طال ما تمنّيت لقاءه و
__________________
(١) في نسخة « بعد وفاته ».
(٢) في بعض النسخ « وانه يدل المسلمين بهما على المحجة الواضحة ».
(٣) الاختلاف بمعنى التردد أي الذهاب والمجييء.