سبب هلاك المقنع
أقام سعيد الذى كان أمير هراة (١) بباب حصن المقنع مع عسكر كثير وبنى بيوتا وحمامات وأقام هنالك صيفا وشتاء. وكان بالحصن عين ماء وأشجار وزراعة وبه خواصه (أى خواص المقنع) وقادة وجيش قوى. وكان بداخل الحصن حصن آخر على رأس الجبل ولم يكن لأحد قط سبيل إلى ذلك الحصن ، وكان (المقنع) يقيم مع النسوة فى الحصن وكان من عادته أن يؤاكلهن كل يوم ويجلس للشراب ويشرب معهن. ومضى على حاله هذا أربع عشرة سنة ، فلما ضيق أمير هراة عليه الخناق وتفرق جنده ، فتح القائد الذى كان داخل الحصن بابه وخرج طائعا واعتنق الإسلام واستولى المسلمون على القلعة ، فعرف المقنع أنه لا يمكنه الاحتفاظ بالحصن الداخلى.
وروى محمد بن جعفر عن أبى على محمد بن هارون الذى كان من دهاقين كش أنه قال : كانت جدتى من جملة النسوة اللاتى استأثر بهن المقنع لنفسه وكان يحنفظ بهن فى الحصن. وكانت تقول : ذات يوم أجلس المقنع النساء للطعام والشراب على عادته ، ووضع فى الشراب سمّا وأمر لكل امرأة بقدح خاص وقال. إذا شربت قدحى فيجب أن تشربن جميعا أقداحكن ، فشربن جميعا ولم أشرب أنا وأرقته فى طوقى ولم يدر المقنع بذلك ، فهوى جميع النسوة ومتن وأنا أيضا ألقيت بنفسى بينهن وتماوتت ، ولم يعلم بحالى ، ثم نهض المقنع ونظر ورأى كل النسوة ميتات ، فذهب إلى غلامه وضربه بالسيف وأطاح برأسه وكان قد أمر بإحماء التنور ثلاثة أيام فذهب إلى ذلك التنور وخلع ثيابه وألقى بنفسه فيه وتصاعد الدخان ، فذهبت إلى ذلك التنور ولم أر له أى أثر ، ولم يكن أحد قط حيّا فى الحصن. وكان سبب
__________________
(١) ذكر مدرس رضوى فى حاشيته ص ٨٧ أنه ورد فى نسخة ما يأتى : «سعيد شخصى را كه أمير هرات بود بدر حصار فرستاد» ومعناها : أرسل سعيد الشخص الذى كان أمير هراة إلى باب الحصار.
وسعيد هذا هو القائد سعيد الحرشى كما يذكره محمد بن جعفر فيما بعد.