وبصدد ذلك ذكر أضداد الشّهداء تنويها بإخلاصهم ، فقال تعالى : والله يعاقب الظالمين الكافرين ، بسبب ظلمهم أنفسهم وفسادهم في الأرض ، وبغيهم على الناس ، ويعجل زوال دولتهم وسلطتهم ، لأن الظلم لا بقاء له.
ثم أكّد الله تعالى أنّ المعارك مجالات كشف وإبراز وتطهير ، ففيها يتميّز المؤمنون الصادقون عن المنافقين ، وبها عرف صدق الإيمان وصلابة العزيمة والثبات عند الابتلاء ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ ، فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [آل عمران ٣ / ١٤٣] ، ففي غزوة أحد تراجع المنافقون ولا ذوا بالفرار ، بل إن بعض المؤمنين في أثناء المعركة هرب ، وثبت الآخرون حول النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فتبيّن أن تمنيات اللقاء مع العدو مجرد آمال لا قرار ولا ثبات لها ، وقد ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف».
ومن فوائد المعارك أيضا تبيان حال الكفار ، فهم إن ظفروا كما في أحد بغوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم ، فلا بقاء ولا استمرار لهم ، ولا ثبات لأحوالهم أمام المؤمنين الصادقين. وإذا هزموا كما في بدر عاجلهم الله بالدّمار والفناء ، والعاقبة للمتّقين.
وقد وردت آيات كثيرة في معنى هذه الآيات منها : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ ، وَزُلْزِلُوا ...) [البقرة ٢ / ٢١٤] ، ومنها : (الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا : آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ١ ـ ٢] ، ومنها الآية التالية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ، وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران ٣ / ١٤٢].