والمعنى : يا أيها الأوصياء على اليتامى ، أعطوا الأيتام أموالهم بعد البلوغ كاملة غير منقوصة ، وأنفقوا عليهم في حال أصغر من أموالهم ، ولا تضموا شيئا منها إلى أموالكم ، وعبر بالأكل عن سائر التصرفات المتلفة للأموال وسائر وجوه الانتفاع ؛ لأن معظم ما يقع من التصرفات لأجل الأكل. وقوله : (إِلى) بمعنى «مع» أو بمعناها الحقيقي أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل. فإنكم إن فعلتم ذلك استبدلتم بالحلال وهو مالكم المكتسب من فضل الله ، الحرام وهو مال الأيتام ، ويكون هذا الأكل ذنبا عظيما وإثما كبيرا. روي أنهم كانوا يضعون الشاة الهزيلة ويأخذون بدلها شاة سمينة ، فنهوا عن ذلك.
واليتيم : من مات أبوه مطلقا ، ولكن خصص في الشرع والعرف كما بينت بالصغير ، لقول النبي صلىاللهعليهوسلم ـ فيما يرويه أبو داود عن علي رضياللهعنه ـ : «لا يتم بعد احتلام».
وليست الآية في إيتاء اليتامى أموالهم على ظاهرها ، فلا يعطونها قبل البلوغ ، ويكون إيتاء الأموال مجازا عن تركها سالمة من غير أن يتعرض لها بسوء ، بدليل الآية الأخرى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى) أي اختبروا صلاحيتهم لتسلم أموالهم عند البلوغ ، فهذه الآية حث على تسليم المال فعلا عند حصول البلوغ والرشد ، وأما الآية : (وَآتُوا الْيَتامى) فهي حث على حفظ أموال اليتامى لتسلم لهم عند بلوغهم ورشدهم.
والأولى أن يكون الإيتاء مستعملا بمعناه الحقيقي وهو الإعطاء بالفعل ، وتكون كلمة (الْيَتامى) مجازا باعتبار ما كان ، وعبر باليتامى لقرب العهد بالصغر ، وللإشارة إلى وجوب المسارعة والمبادرة بدفع أموالهم إليهم ؛ لأن اليتم ضعف ، وهو يستدعي الرحمة والعفة ، حتى كأن اسم اليتم باق بعد البلوغ ، وهذا المعنى يسمى في أصول الفقه بإشارة النص.