وتكون إضافة الأموال على الرأي الثاني إلى ضمير المخاطبين على حقيقتها.
ومعنى قوله : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) : أن الأموال قوام الحياة ، وسبب إصلاح المعاش ، وانتظام الأمور ، فبالمال تتقدم الأمم وتبني صرح الحضارة ، وبالمال يسعد الفرد والجماعة ، وبه أيضا يتحقق النصر على الأعداء. وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأن أترك مالا يحاسبني الله عليه خير من أن احتاج إلى الناس. وعن سفيان ، وكانت له بضاعة يتاجر بها ، وقيل له : إنها تدنيك من الدنيا فقال : لئن أدنتني من الدنيا ، لقد صانتني عنها. وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا ، إنكم في زمان إذا احتاج أحدكم ، كان أوّل ما يأكل دينه (١).
وجعل الأموال وسيلة إصلاح شؤون الحياة يقتضي تثميرها وتشغيلها وتنميتها لا اكتنازها وادخارها ، كما يقتضي إدارتها بحكمة والاقتصاد في الإنفاق منها ، كما سنّ القرآن للمؤمنين بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ، وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان ٢٥ / ٦٧]. وحث النبي صلىاللهعليهوسلم على الاقتصاد ، روى أحمد عن ابن مسعود : «ما عال من اقتصد» وروى الطبراني والبيهقي عن ابن عمر : «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وحسن العقل نصف العلم».
ومعنى قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) : اجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم وكسوتهم ، بأن تتجروا فيها ، فتكون النفقة من ثمرتها وربحها ، لا من أصل رأس المال ، لئلا يأكله الإنفاق. وهذا مفهوم من جعل الأموال نفسها ظرفا للرزق والكسوة ، فقال : (فِيها) ولم يقل : «منها».
ومعنى قوله : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) : أن يقول كل ولي للمولى عليه
__________________
(١) تفسير الكشاف : ١ / ٣٧٧