كلاما طيبا تطيب به نفسه ، ويعده وعدا حسنا ، كأن يقول للصغير : المال مالك ، وما أنا إلا وكيل أمين عليه ، وإذا كبرت رددته إليك. وإذا كان سفيها وعظه ونصحه ، ورغبه في ترك التبذير والإسراف ، وعرفه أن عاقبة ذلك الفقر والحاجة إلى الناس. والقول المعروف : كل ما اطمأنت إليه النفس لحسنه شرعا ، أو عقلا من قول أو عمل. وأما المنكر : فهو ما أنكرته النفس لقبحه شرعا أو عقلا.
ثم بعد الأمر بإيتاء أموال اليتامى بيّن تعالى وقت الإيتاء ومقدماته ، وهي الاختبار ، فأمرنا أن نختبر اليتامى قبل الإيتاء ، فإن بلغوا سن النكاح وهو بلوغ الحلم ، كما قال تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) أي الوصول إلى حد البلوغ وهو حد التكليف والتزام الأحكام الشرعية ، وذلك إمام بالاحتلام ، أو مجيء الحيض عند الأنثى ، أو بالسن وهو اكتمال خمس عشرة سنة في رأي الشافعي وأحمد ، إذا بلغوا ذلك وأصبحوا راشدين أي يحسنون التصرف في أموالهم حفظا وإدارة وتنمية ، فسلموهم أموالهم ، وإلا فاستمروا على الابتلاء (الاختبار) حتى تأنسوا منهم الرشد ، ورأى أبو حنيفة : أنه يدفع المال إلى اليتيم إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وإن لم يرشد ، للآية المتقدمة : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) ولأن من بلغ مبلغ الرجال واعتبر إيمانه وكفره ، فمنع ماله عنه أشبه شيء بالظلم ، وفيه إهدار لكرامته الإنسانية وآدميته.
لكن ظاهر الآية أنه لا تدفع إليهم أموالهم ، ولو بلغوا ، ما لم يؤنس منهم الرشد ، وهو مذهب الجمهور.
والاختبار في رأي أبي حنيفة والشافعي يكون قبل البلوغ بدليل الغاية : (حَتَّى). وفي رأي مالك : يكون بعد البلوغ.
ورتب أبو حنيفة على ذلك أن تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة ؛ لأن ذلك الاختبار إنما يحصل إذا أذن له الولي في البيع والشراء مثلا ، وذلك يقتضي صحة التصرف.