سَبِيلاً ، أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) [النساء ٤ / ١٥٠ ـ ١٥١]. والدليل عليه قوله تعالى : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) مع إيمانهم بالله ، لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه ؛ لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام ، حبا للرياسة ، واستتباع العوام ، ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع ، وحظوظ الدنيا ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله ، مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين.
هذه المقومات والأوصاف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان الحق بالله وبعناصر الإيمان الأخرى هي سبب الفضيلة والخيرية ، ولا تثبت للأمة إلا بمحافظتها على هذه الأصول الثلاثة ، روى ابن جرير عن قتادة قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه في حجة حجها ، رأى من الناس دعة ، فقرأ هذه الآية : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ثم قال : «من سرّه أن يكون من هذه الأمة ، فليؤد شرط الله فيها».
ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) [المائدة ٥ / ٧٩].
ولهذا لما مدح الله تعالى هذه الأمة على هذه الصفات ، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم ، فقال : ولو آمنوا بما أنزل على محمد ، لكان خيرا لهم ؛ إذ هم يؤمنون ببعض الكتاب ، ويكفرون ببعض ، ويؤمنون ببعض الرسل كموسى وعيسى ، ويكفرون بمحمد ، مع أن كتبهم تتضمن البشارة بمحمد وصفته!
إلا أن هذا الذم ليس كليا ولا جماعيا شاملا ، لذا استطرد الله تعالى فذكر أن بعض أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي ورهطه مؤمنون إيمانا حقا ، لكن أكثرهم فاسقون خارجون عن حدود دينهم وكتبهم ، متمردون في الكفر ، فقليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان. ومرة يعبر تعالى بالأكثر كما هنا ، وكما في قوله