وأثر عن عائشة رضياللهعنها أن خادما لها أغاظها فقالت : لله درّ التّقوى ، ما تركت لذي غيظ شفاء.
٣ ـ والعافين عن الناس أي الذين يتسامحون ويعفون عمن أساء إليهم مع القدرة على ردّ الاعتداء ، وتلك منزلة ضبط النفس التي تدلّ على سعة العقل ورجاحة الفكر وقوة الإرادة ومتانة الشخصية ، وهي أرقى من كظم الغيظ ، إذ ربما كظم المرء غيظه على الحقد والضغينة ، وهذا مثل قوله تعالى : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى ٤٢ / ٣٧] ، وروى الحاكم والطبراني عن أبي بن كعب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من سرّه أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدّرجات ، فليعف عمن ظلمه ، ويعط من حرمه ، ويصل من قطعه» (١). وعن ابن عبّاس رضياللهعنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول : أين العافون عن الناس؟ هلموا إلى ربّكم ، وخذوا أجوركم ، وحقّ على كلّ امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة».
وفي هذا إشارة إلى عفو النّبي صلىاللهعليهوسلم عن الرّماة الذين خالفوا أمره في غزوة أحد ، وإلى تركه مجازاة المشركين بما فعلوه بحمزة رضياللهعنه حين قال ـ وقد رآه مثّل به كما جاء في السيرة ـ : «والذي نفسي بيده لأمثّلنّ بسبعين منهم».
٤ ـ والله يحبّ المحسنين : الذين يقابلون الإساءة بالإحسان ، إما بإيصال النّفع لمن أساء ، وإما بدفع الضّر عنه في الدّنيا بألا يقابل الإساءة بمثلها ، أو في الآخرة بالعفو عماله عند النّاس من الحقوق. وهذه مرتبة هي أعلى المراتب السابقة. أخرج البيهقي أنّ جارية لعلي بن الحسين رضياللهعنه جعلت تسكب عليه الماء ، ليتهيأ للصّلاة ، فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه ، فقالت : إن الله يقول : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي ،
__________________
(١) قال الحاكم : هو صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.