منهم خاصة ، لأنهم المنتفعون بهدي القرآن : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة ٢ / ٢] ، (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ، هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) [لقمان ٣١ / ٢ ـ ٣] ، إنه بيان الأمور على نحو واضح ، وكيف كان الأقدمون مع أعدائهم ، وهو زاجر عن المحارم والمخالفات.
وذلك يدحض قول المشركين والمنافقين : «لو كان محمد رسولا حقّا لما غلب في وقعة أحد» مما يتبين أن سنن الله حاكمة على الأنبياء والرّسل وسائر الخلق ، فما من قائد لا يطيعه جنوده ويخالفون أوامره ، إلا كان جيشه عرضة للهزيمة.
وإذا عرف المؤمنون هذه الحقيقة فيجب عليهم ألا يضعفوا عن القتال بسبب ما جرى في أحد ، وما يجري من مسّ السّلاح ، ولا يحزنوا على ما أصابهم من قتل في أحد ، فالقتيل شهيد مكرم عند الله يوم القيامة ، وتلك الموقعة درس وتربية وتعليم للمسلمين ، لذا قال النّبيصلىاللهعليهوسلم : «لو خيّرت بين الهزيمة والنّصر يوم أحد لاخترت الهزيمة».
وليس لكم أن تضعفوا وتحزنوا ، وأنتم الأعلون ، والعاقبة والنصر لكم أيها المؤمنون ، بمقتضى سنّة الله في جعل العاقبة للمتّقين ، وقتلاهم في الجنّة ، وقتلى الكافرين في النّار. والمراد بالنّهي عن الوهن والحزن : النّهي عن الاستسلام ، والعودة إلى التّأهّب والاستعداد ، مع صدق العزيمة ، وقوّة الإرادة ، وحسن الظّن بالله ، والتّوكّل عليه والثّقة بالنّصر.
وكيف تضعفون بسبب الآلام والجراح والقتل ، فإن كنتم قد أصابتكم جراح ، وقتل منكم طائفة في أحد ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح ، بل وتعرّضوا لألم أكثر في بدر ، فإن هزمتم في أحد ، فقد انتصرتم في بدر ، والأيّام دول ، والحرب سجال ، ويوم لكم ويوم عليكم ، وذلك كلّه لحكمة ، فنجعل للباطل دولة في يوم ، وللحقّ دولة في أيّام ، والعاقبة والنّصر في النهاية