غيرها أمركم به ، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده الى مصالحكم ... (١)
والمشرق والمغرب هنا هما تعبيران عن كافة الجهات الأرضية ، لأنهما النقطتان الأصيلتان ، فليس المشرق : القدس ـ فقط ـ لله ، أو المغرب : قبلة النصارى ـ فقط ـ لله ، بل والجنوب الكعبة فله الجهات كلها ، يحوّل عباده في صلاتهم وكل صلاتهم أينما يريد لمصالح وابتلاءات ، كما وأن أصل تحول شرعة الى شرعة ابتلاء : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥ : ٤٨). فكما أن قبلة القدس ـ في وقتها ـ صراط مستقيم لاتجاه الصلاة ، كذلك الكعبة المباركة صراط مستقيم ، بل هي الأصل المقصود على مدار الزمن الرسالي ، ولا سيما الإسلامي ، وقبلة القدس ابتلاء وقتي لمصلحة وقتية وقد مضت.
وقد اختلفت الروايات في عديد الأشهر المدنية لقبلة القدس من خمسة الى سبعة الى سبعة عشر ، ولأن عديد الأشهر ليس من صميم قصته التحويل ، لم تشر إليها الآيات وكما لم تصرح للقبلة المكية ، فإنما الأصل في مسرح البحث هو تحويل القبلة ، وأن أصلها هو الكعبة المباركة.
ولقد انطلقت أبواق اليهود السفهاء ـ ومعهم سائر السفهاء من الناس مشركين ومنافقين ومسيحيين ـ تصرخ على المسامع (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) مرة أولى حين تحولت عن الكعبة الى القدس ، ومرة أخرى إذ تحولت عن القدس الى الكعبة ، انطلقت تلقي في صفوف المسلمين وفي قلوب
__________________
(١) هذا من تتمة الحديث السابق عن الامام العسكري ، ومكان النقط ... اربع عشرة سنة ، فهو من القسم الثاني الدال على ان القبلة في مكة كانت هي القدس ، ولكن باتجاه الكعبة.