ثم ذلك الجعل يعم حقلي التكوين والتشريع ، فكينونة هذه الأمة الأئمة ومن دونهم من العدول ، هي مجعولة بجعل رباني بما سعوا ، كما وشرعتهم بما طبقوها فيما سعوا : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) تمثلا بالحقلين ، جمعا بين الجعلين ، فكما (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) بكلا الجعلين ثم جعل القدس قبلة مؤقتة ابتلاء للمسلمين وإزالة للفوارق الطائفية (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ ...) أهل القبلة الواجبة لهم دعوة إبراهيم (عليه السلام).
ووسط الرأي في الأمة الوسط ، بعيدا عن كلّ الانحيازات إلّا في حوزة الوسط وحيازتها ، إنها هي الوسط بكل معاني الوسط مهما اختلفت درجاتها وصلاتها :
(أُمَّةً وَسَطاً) كمجعولة إلهية ـ في التصور والعقيدة ، بعيدا عن غلو التجرد الروحي ، وحمأة الركسة المادية ، معطية لكلّ من الروح والجسد حقه دون أي إفراط أو تفريط.
ووسطا في المشاعر والإدراكات ، دون تجمّد على حاضرها لتغلق عليها كل منافذ المعرفة تجريبيا أماهيه ، ولا اتّباع أعمى لكل ناعق ، بل هي منطلقة على ضوء الهدي القرآني والسنة المحمدية ، قابلة كل ما يوافق هديها المعصوم وعقلها المقسوم وصراطها المرسوم.
(أُمَّةً وَسَطاً) في تنسيق الحياة ، فلا تطلقها ـ فقط ـ للضمائر والمشاعر ، ولا تدعمها ـ فقط ـ للتشريع والتأديب ، وإنما ترفع ضمائرها بالتوجيه والتهذيب ، فلا تكل الناس الى سوط السلطان ولا ـ فقط ـ الى وحي الوجدان.
(أُمَّةً وَسَطاً) في العلاقات الحيوية ، لا تؤصّل الفرد فالمجتمع كهامش له